الجندي أول مسفر
لو استطعنا النظر إلى المرآة التي يقف قبالتها مسفر لرأينا شاباً قد فرغ من ارتداء بدلته العسكرية وراح يعدل قبعته قبل الخروج إلى العمل. على كل كتفٍ شريطة، وهذه رتبة الجندي الأول وهي أعلى من رتبة الجندي الثاني وأقل من رتبة العريف. لكن مرآة خيال مسفر تعكس شيئاً آخر إذ يرى قبعته العسكرية صارت قبعة كاوبوي، وقميصه الأخضر الداكن صار قميصاً مزركشاً، حتى البسطار يبدو في عينيه حذاءً طويلاً من جلد الغزال، ومع أنه قد حلق ذقنه للتو بحرصٍ كما تُحلق العانة إلا أنها تبدو متسخة في مرآته، ويعزز المسدس من أوهامه فيدوِّره بسبابته كما لو أنه حلقة مفاتيح ثم يعيده إلى جرابه. وفي طريقه إلى العمل يتأمل مسفر البيوت والعمارات وناطحات السحاب فلا يرى غير أكواخ رثة تحمله على الأسى. يردد في سريرته: "هؤلاء الناس بحاجة إلى عمدةٍ آخر". يتوقف عند مقهى كوستا فيعبر بابه الزجاجي كما لو أنه باب حانة خشبي ويجلس وحيداً. لو شاء لأوقع في محبته سيدة شريفة -أو حتى ساقطة- ودمر حياته وحياتها. لكنه وقد علم يقيناً أن بقاءه حياً حتى الآن مرهونٌ بوحدته راح يعزي نفسه بقوله ما من بطل إلا وعاش وحيداً، فالوحدة قدر الأبطال. ينتبه إ