المشاركات

عرض المشاركات من 2025

كان فجرًا باسمًا

صورة
  هذه مشاركة عن أم كلثوم في عالم الكتاب. دعاني الصديق شريف صالح للكتابة في خمسينيتها، ولما هممت بالاعتذار كانت الستّ تغني "كل ليلة وكل يوم" في المذياع. قالت في عتاب: "بستنّى منك كلمتين مش أكتر". قلت أبعت كلمتين يطمنّوها على المحبة واحترت في أمر هاتين الكلمتين فلكل واحدٍ منا ما يقوله للستّ وما لا يود قوله. قلت مثل ما قال رامي كان فجرًا باسمًا في مقلتيّا. تبدو افتتاحية مناسبة لرواية حب لكنها تناسب العنوان أيضا. (كان فجرًا باسمًا) لم أعرف من الموسيقا في زمن الطفولة سوى اسمها. كانت أمي توصد دونها الأبواب فإن سقطت نغمةٌ آثمةٌ من التلفاز أو نغمتان سارعَتْ إلى كنسها خارج الصالة. لا موسيقا في هذا البيت تقول عصا المكنسة في يدها. أما أبي الذي كان يجيد العزف على أكثر من آلة موسيقية فقد انهمك في لعب الشطرنج مع الزمن الذي راح يجرده شيئا فشيئا من تجارته وأصدقائه وعافيته حتى صارت حاجته إلى حصان أو بيدق أكثر من حاجته إلى الموسيقا. وهكذا عاشت أذناي في البرية، في الهواء الطلق، على الفطرة. لا مدارس ولا كتاتيب حتى صادفتُ الستّ. كنت عندئذ قد بلغت سن المراهقة، ذلك السنّ الذي يجب على الفت...

نزهة مع الحوائط

صورة
  -١- طوبٌ متجاورٌ أو حجرٌ مصفوفٌ أو قالبٌ من الخرسانة ويكون الحائط. لا بد أولاً من حفر الأرض حتى نمُد جذور الحائط في التراب. كل ما يخترعه الإنسان في النهاية إنما يقتبسه من الطبيعة أو يحاكيها. ألا ترونه يرشّ الحوائط بالماء بعد الملاط كأنه يسقيها. حائط وحيد: سور، أو ظَهرُ حبيبٍ غضبان ما عاد احتضانه من الخلف آمنا. لو تعانقا لاندلع ماسٌ كهربائي. يبتعد الحبيب فتنمو على كتفيه الناعمتين لفائف الأسلاك الشائكة. تلتمع شفراتها مهددةً راحة اليد. متى صار غريبًا؟ لقد وقف قبالة الحائط في صباه. كان ذلك أول عقابٍ مدرسي؛ الوجه إلى الحائط. أكان ذلك في السنة الثانية أم في السنة الثالثة؟ يحاول أن يتذكر فلا تفلح الإغماضة ولا التقطيبة ولا الكزّ على الأسنان في تذكيره سوى بالشرخ الصغير في ذلك الحائط الأصفر. كبُر وتدرّج في العقاب والألم. من الوقوف إلى الحائط، فالوقوف على ساقٍ واحدة ورفع اليدين، حتى الضرب بالعصا. لقد احتملها بشجاعةٍ بل باستهتار لكنه لا يحتمل أن يمضي بعيدًا ذلك الظهر الغضبان. -٢- من منّا لم يلعب الكرة مع حائط بيتٍ مهجور؟ من يتذكر القارورة في ركنه الأيسر؟ لا يكاد يخلو منها حائط قديم. كلما كسر...

وتلفّتَتْ عيني..

صورة
  وُلِدتُ في الرياض. أمضيت طفولتي فيها وفي الدمام. قضيت سنوات الشباب في بلاد الشام. قضيت بعد ذلك سنوات في إنجلترا. لكنني عشت عمري أكثره في الدمام. إنها المدينة الوحيدة التي لي فيها صندوق بريد وأب ميت أخذني إلى البحر ليعلمني في طفولتي السباحة كما يعلم الحوت صغيره. ألقاني في الماء كما كان يفعل آباء ذلك الزمن فكدت أغرق. كان أبي يمضي بعيداً في لُجّة البحر حتى لا يُرى من الساحل. كم تخيلته يغرق في صباي، لكنه ظل يعود في كل مرة من قاع البحر. تعلمت من السباحة ما لا يجعلني أغرق، أو ما يجعلني أظن ذلك. كلما ركبت الطائرة اليوم وعبرت بحرا أو محيطا ارتعشت في مقعدي. هنالك ظن النفس بالنفس واقع كما يقول الشاعر. علمني أيضاً ألا أضيع في اليابسة. أن أنظر إلى النجوم فإذا غامت السماء أنظر إلى الرمال فأرى أين تجمعها الريح خلف الشجيرات لأعرف اتجاهي. علمني طول البال الذي يجب أن يتمتع به الصياد والطريدة على حد سواء. علمني أن أبقي باب البيت مفتوحا حتى لا يتردد العابر أو الغريب في الدخول. علمني أن الكرم إنما يكون في النفس قبل اليد، والوجه قبل المجلس، والحديث قبل الطعام. تعلمت تقريبا كل شيء في الدمام وأضعت هناك...

عن الخيال: أول ألعاب الطفولة.

صورة
  نمت مبكرا قبل رأس السنة. شددت اللحاف فلم يظهر مني إلا ما يظهر من رأس التمساح في النهر. أقفلت الباب خوفاً من اللصوص، والشبّاك خوفاً من الإنفلونزا، والأنوار خوفاً من فاتورة الكهرباء، والفرن خوفاً من الغاز، وعينيّ خوفاً من مخاوف جديدة. زرت قبلها أمي، رأس الحياة نفسها. قلت ممازحاً ألا تستطيعين يا أمي أن تتذكري عنوان أمارا؟ قالت دعني أتذكر أولاً من تكون أمارا. قلت مُربّيتي التايلندية. أريد أن أرسل لها هدية بمناسبة السنة الجديدة. ضحكت أمي -وما سألتها إلا لتضحك- قالت من تظن نفسك؟ لقد جاءت لتساعدني في أعمال المنزل حينما مرضت ولم تقم معنا أكثر من شهرين. كانت العاملة الوحيدة التي جاءتنا بحقيبة كبيرة ليس فيها غير المكياج. لم تخدم في البيوت من قبل، إنما جاءت لتجمع ثمن التذكرة إلى أمريكا لتشارك في مسابقات الجمال. لقد كانت مربيتي ملكة جمال إذاَ. غضبت أمي هذه المرة، وسخرت قائلة: صحيح لكنها لم تكن مربية فحسب بل لقد أنجبتك أيضا وتركتك عندنا. ضحكتُ هنا بصوت عال وتذكرت قدرتي اللئيمة على تحوير القصص بتعديل صغير في الشخصيات والأحداث يجعلها تختلف تماما عن أصلها. ما يزال ابن خالي يمتعض من افتراءاتي الق...