رنا..
في الطريق إلى محافظة الخرج جنوب شرق الرياض. المسافة أقل من ١٠٠ كم ولو غنى محمد عبده لصارت ٥٠ كم. الطريق ينبسط مثل راحة يد، لا جبال ولا أودية، فقط بعض المنعرجات حتى لا يداهمنا النعاس. يقود زميلي سيارة العمل وأحدق في النافذة مثل سجين. مصانع ومزارع ومحطات وقود ومدينة ألعاب مهجورة. "وتلفتت عيني فمُذ خفيتْ عنها الطلولُ تلفتَ القلبُ". كانت هذه الملاهي ومثيلاتها حلم الطفولة، كنا صغارًا حين حضّني ولد الجيران على سرقة أبوينا، قال مئة ريال تكفي، ولا أتذكر ما الذي منعني بالضبط. أهو الخوف أم تربية أبي أم جيوبه الخاوية. محدقًا في النخيل، تبدو نخلات الخرج، على غير العادة، قصيرات كأنهن بنات اليوم. ينبغي للرجل أن ينحني بشدة لملامستهن كما ينحني أمام الثلاجة لتناول الكولا من الرف السفلي. لقد كذب درويش حين جاملهن ولعله يحاسب الآن حسابًا عسيرا. كتب أحدهم "رنا" على جدار بيت. كتبها أيضًا على سور مزرعة. رنا البستان والسكنى، أظنه كتبها على جدار مسجد ولم يلبث أن خاف فشطب اسمها وهو يستغفر. لا بد أن يحب الرجل رنا واحدة على الأقل في حياته فإن لم يجد فلا بأس لو أحب رشا.