في مديح التنورة القصيرة..
كانت أول محاولة طيران ناجحة لتنورة في ٢٠١٢، في العام الذي تنبأت فيه المايا بنهاية العالم، وقد صدقت النبوءة هذه المرة ومات أبي.
سافرت بعدها إلى مدريد، وأقمتُ في أحد فنادق غران فيا، خلفي ساحة باب الشمس وليس بعيدًا عني مثلث البرادو. أمشي في الساحة فأجد مبنى حكومي أحمر، ربما كان البرلمان أو البلدية، وفي الطريق تستوقفني البغايا من الصباح الباكر فأرد بالجملة الإسبانية الوحيدة التي أعرفها: "نو انتينديو" أي لا أفهم، فيجربنَ الحديث معي بلغةٍ أخرى لأعيد لهم تلك الجملة مرةً أخرى حتى انتبهت إحداهن فقالت بالعربية وهي تعلك مثل زينات صدقي: "يا حبيبي" فضحكتُ مرددًا: "نو انتينديو".
أنعطف إلى اليمين فأصل إلى بلازا مايور أو إلى اليسار فأجد مبنى مهيبًا بأعمدةٍ أغريقية. أخمن أنه للقضاء، وأتذكر الجار الجديد الذي نصب في واجهة بيته عمودين كبيرين مثل هذه الأعمدة. لا أدري كيف يعيش الأبناء في بيتٍ له شكل محكمة. أتخيل الأب ينتظر أطفاله في الظهيرة، ممسكًا بالمصحف، وما إن ينزلون بحقائبهم الملونة من باص المدرسة حتى يجعلهم يقسمون على قول الحق ولا شيء غير الحق.
طارت تلك التنورة مثل منطاد، كنت قد شاهدت قبلها الكثير من المحاولات التي لم تفلح في الارتفاع كثيرًا لتنانير قصيرة تصعد الدَرَج بسرعة أو تهبط منه، تدور من البهجة أو من الموسيقى، أو تلتفت لتستعجل صديقةً تأخرت في المشي. طيران جزئي، محاولات لا أكثر، تكشف عن الساق أو الركبة فتسارع الجاذبية إلى ربطها بأثقال حتى لا تطير فيتصحر الكوكب.
في ساحة باب الشمس بمدريد مطار دولي للتنانير، مساحته التقريبية ٤ في ٥ أمتار. تدفع المحركات تحت الأرض الهواء إلى الأعلى فتطيّر التنانير حين تمر فوقها، بلا نوايا خبيثة، بل كما يطيّر الآباء صغارهم في الهواء. كانت السائحة الأمريكية مشغولة بخريطة مدريد ولم تنتبه حين طارت تنورتها مثل تمثال مارلين مونرو الشهير في شيكاغو. فزِعتْ وسقطت منها الخريطة وأخذت تجمع تنورتها فانتبهنا إلى لباسها الداخلي القصير وقد كان للمفارقة على شكل العلَم الأمريكي. ضحكنا قليلًا، أنا والمارة، لأن الموقف كان يدعو إلى الضحك، وخجلتْ قليلًا لأن الموقف كان يدعو أيضًا للخجل.
إذا كان العالم يدين لآينشتاين فإنه يدين بالقدر نفسه لماري كوانت، تلك العالمة الجليلة التي اخترعت التنانير القصيرة، وصار من الممكن أن نرى بالعين المجردة كل السونيتات التي تعزفها السيقان الطويلة، بل وحتى القصيرة.
تعليقات
إرسال تعليق