ومرت الأيام..
في مثل هذا اليوم قبل خمسين سنة تقريبًا، استيقظ عبدالوهاب في بيته بالزمالك، فتح عينيه ولما اطمأن أنه ما يزال حيًا، استند على طرف السرير، ورفع رأسه قليلًا إلى أعلى الجدار حيث تنتصب صورة أمه، ألقى عليها تحية الصباح فردت بمثلها ودعت له بالرضا والرزق الوفير. كانت السيدة نهلة القدسي حرم عبدالوهاب تُطِلُ كل خمس دقائق ولما وجدته هذه المرة مستيقظًا، أقبلت قائلةً: "صباح الخير يا حبيبي"، فاطمأن عبدالوهاب إلى أنها ما تزال حيّةً هي أيضًا، وابتسم مرددًا: "صباح الخير يا نانا". طبَعتْ قبلةً رطبة على خده فاستنشق عنقها حتى نما النعناع في شُعبهِ الهوائية، ولما ناولته النظارة أمعن فيها النظر فوجدها قد سرّحت شعرها القصير إلى الخلف، وجعلت أطرافه تلتف تحت أذنها فبدا أقصر مما هو في الحقيقة. كان عبدالوهاب قد أسرّ إليها ذات مرة أن هذه التسريحة تذكره بالمتنبي حين يقول: "على قلقٍ كأن الريح تحتي/ أوجهها جنوبًا أو شمالا"، ولما تجهمت قال إنها بهذه التسريحة توجِّه الريح أيضًا أينما تشاء، ثم غابت في قبلةٍ طويلةٍ مستحقة. كانت تعرف جيدًا أن هذه التسريحة تتيح، بين حينٍ وآخر، لعن