جسِّرني..
ربما كنت في الرابعة عشرة حين رافقتُ أمي إلى السوق. قالت: "جسِّرني" وهي كلمة ورثَتَها بالتأكيد عن أمها إذ لم أسمع غيرها ينطقها إلا نادراً. كانت جدتي رحمها الله تصرّ على ألا يذهب أحد أحفادها الصغار وحده إلى أي مكان حتى إلى بيت الجيران. أظنها كانت تخاف علينا من الضياع أو مكروه يسهُل وقوعه على فردٍ واحد كالوحدة مثلاً، أم تُراها كانت تخاف علينا من الوحدة؟ وقد رأت فيها ما يجذب الكوارث فاندفعت تدعونا كل مرة ليُجسِّر بعضنا البعض. أن يُجسّر المرء أحداً يعني أن يشجعه فيجعله جسوراً، بيد أنها كانت تقصد الشعور بالأمان لا الجسارة، وهكذا ظنت أن الرفقة تدفع الخوف بعيداً، وإن كنت لا أخفي محبتي الكبيرة للمعنى الحرفي "ساعدني لأعبر الجسر" وكل من يساعدنا على العبور هو جسر بشكل أو بآخر وهكذا يمكن أن تكون جسّرني "كن جسراً لي" أو بقليل من الرومانسية وعدم الدقة "كن جسري". في طريقنا إلى السوق كان علينا أولاً أن نقطع محلات الأثاث حتى نصل إلى محلات الملابس والأواني. ولما وقع نظري على مكتب بني داكن توقفتُ فسألتني أمي ما الأمر. قلت أريده، فوعدتني أن تكلم أبي