الرسام ومخلوقاته - أنتونيو تابوكي
الرسام وحيد، وحيدٌ تماماً في شقته المتهالكة. لا قطة عنده، لأنه يريد البقاء وحيدا. الوقت ليل، والمدينة نائمة. والمطر خلف الشبّاك حَجَبَ أنوار الشارع. تحضّر الرسام للقاء مخلوقاته. على الطاولة كؤوس وقناني نبيذ. لا يدري من سيأتي الليلة من مخلوقاته، أيهم سيمثل لاستدعائه. وضع الرسام أوراقه كما توضع المحارم. ثم رتّب ألوانه المائية على الطاولة، وراح يخففها بالماء في صحون صغيرة كان قد أعدّها بجانب الأوراق مثل طعامٍ سحري. لقد مزج غالباً اللون الأزرق بالأخضر الشاحب والوردي العتيق. كان قد جهّز أكثر من لونٍ أزرق: السماوي، والداكن، والبرّاق، والليلي. سيخلط بعد ذلك الوردي الحليبي مع القليل من اللون الأزرق. لطالما كان يفضّل اللون الأزرق لعلمه بأن المخلوقات التي ستزوره مخلوقات ليليّة، من فضاءٍ يتوسط النجوم. أشعل الإضاءة، ارتشف النبيذ في صحة زواره الذين يوشكون على الوصول. تقدم الليل في هذه الأثناء، وفي الخارج يمكن سماع وقع خطوات بين الحين والآخر كأن شخصاً يمر في الشارع. ولكن هذه ليلة متوسطية حافلة بالمطر والرياح الشرقية. ونحن في مدينة متوسطية، وإن كان الرسام قد اعتاد على الإقامة في شمال أوروبا حيث الس