وتلفّتَتْ عيني..
وُلِدتُ في الرياض. أمضيت طفولتي فيها وفي الدمام. قضيت سنوات الشباب في بلاد الشام. قضيت بعد ذلك سنوات في إنجلترا. لكنني عشت عمري أكثره في الدمام. إنها المدينة الوحيدة التي لي فيها صندوق بريد وأب ميت أخذني إلى البحر ليعلمني في طفولتي السباحة كما يعلم الحوت صغيره. ألقاني في الماء كما كان يفعل آباء ذلك الزمن فكدت أغرق. كان أبي يمضي بعيداً في لُجّة البحر حتى لا يُرى من الساحل. كم تخيلته يغرق في صباي، لكنه ظل يعود في كل مرة من قاع البحر. تعلمت من السباحة ما لا يجعلني أغرق، أو ما يجعلني أظن ذلك. كلما ركبت الطائرة اليوم وعبرت بحرا أو محيطا ارتعشت في مقعدي. هنالك ظن النفس بالنفس واقع كما يقول الشاعر. علمني أيضاً ألا أضيع في اليابسة. أن أنظر إلى النجوم فإذا غامت السماء أنظر إلى الرمال فأرى أين تجمعها الريح خلف الشجيرات لأعرف اتجاهي. علمني طول البال الذي يجب أن يتمتع به الصياد والطريدة على حد سواء. علمني أن أبقي باب البيت مفتوحا حتى لا يتردد العابر أو الغريب في الدخول. علمني أن الكرم إنما يكون في النفس قبل اليد، والوجه قبل المجلس، والحديث قبل الطعام. تعلمت تقريبا كل شيء في الدمام وأضعت هناك...
تعليقات
إرسال تعليق