في مديح الثعلب..
لطالما أحببت الثعلب، أقدم الخارجين عن القانون. الثعلب الأحمر تحديداً، لا الرمادي، وقطعاً ليس الأسود الذي مشى إليه داروين ودق رأسه بكل سهولة وحسن نية. يمكن للثعلب أن يكون أي شيء إلا أن يكون أبله. أما الثعلب الرمادي فيتصرف كقاطع طريق، وكما لا يخفى على أحد ينتهي الأمر دومًا بقطاع الطرق نهايةً دموية، رصاصة في الظهر كما حدث لجيسي جيمس أو ١٦٧ رصاصة كما حدث لبوني وكلايد.
أحب في الثعلب الأحمر مخيلته الواسعة -كم خسرنا بنفوره من الأدب- فهو يصطاد حتى الطيور التي يمكنها النجاة فقط لو ارتفعت قليلاً عن الأرض. يصطاد حتى الغراب مخترع الحذر، ولعلي أتذكر هنا القصة الشهيرة للغراب الذي أراد أن يحذِّر ابنه من الإنسان، وكم كان على حق، فراح يحثّه على الطيران بمجرد أن يرفع الآدمي يده التي قد تحمل سلاحا أو حجرًا أو سبابة بذيئة، لكن الغراب الصغير بدا غير محتاجٍ إلى نصيحة الأب إذ قال: بل أطير حالما يُقبِل. يتظاهر الثعلب بالموت فيستدرج الغراب بعبقرية حتى إذا أراد أن ينقر عينيه انبعث بغتةً من العدم والتهمه. والثعلب لا يدفعه الجوع للانقضاض على فريسته مثل أي حيوان، بل يحملها فوق صدره مثل نيشان، وهو يأنف أن يعمل كراعٍ للأغنام أو كحارسٍ ليلي مثلما تفعل الكلاب أو كمهرج في السيرك كما تفعل الأسود والفيلة. لم يعرف الإنسان منذ مطلع التاريخ طريقةً مثلى لتدجين هذا الانطوائي اللماح، الذي يدرك جيداً أن سلامته تقتضي أن يعيش مع القطيع ولكنه مع ذلك يُمضي حياته وحيداً يرقص بخفة.
وللثعلب أسماء كثيرة عند العرب منها القعنب والحبتر والرواغ والهيطل والهقلس وغيرها. ويمكن أن تضيف براحة بال إليها ميشيل طعمه، وميشيل هو من كتب لسميرة توفيق أغنية "بيع الجمل يا علي" لتزنّ عليه فيبيع الجمل والنعجة وكل الماشية فيدفع في النهاية مهرها، وتذكره بلؤم أن كرْمها طاب واستوى، وعندما تنضج الكروم كما هو معلوم إما أن تُحصد وإما أن تذبل، ولن تعدم من المارة من لا يتردد في قطف ما يتدلى من العناقيد. يحرن علي مثل بغل فتخبره على مضض عن جشع أبيها فيتظاهر بالصمم. تُذكِره أن جمالها لن يدوم لكن الرجل حسم أمره، وفي هذه الأثناء يغير ميشيل طعمه التكتيك الدفاعي ويضغط بقوة على حامل الكرة لاعبًا على الحس الديني لعلي فيدعوه ليسلّمها كل شيء ثم يسلم أمره للرب "ويطعمينا ويسقينا رب السما يا علي".
هل باع علي الجمل؟ لا أدري. يخيّل لي أنه يبيع وطنه ولا يبيع الجمل وقد فكر وتدبر فوجد السميرات كثيرات وحبات الخال كذلك أما الغمزة الفاحشة فيمكنه أن يعلمّها أي امرأة شريطة ألا تراوده عن جمله.
تعليقات
إرسال تعليق