ما حدث وما لم يحدث..


-١-

خرج. نزل عبر السلالم. توقف. تحسس جيبه. مسدس. توقف مرةً أخرى. قطع الشارع. سيارة. حادث. قتيل.


-٢-

‏ما أكبر بهجة العين حين تنظر إلى امرأة تحجب ضحكتها بيدها. منظرها لا يختلف كثيراً عن الغروب أو البحر أو الغيوم في نافذة الطائرة أو كل ما يدعو إلى التأمل وتحنيط الزمن. لكن الفزع هذه المرة هو من يضع يد المرأة على فمها كأنما ليكتم صرختها أو يؤجلها. لقد رأت السيارة ترتطم بالرجل ليرتفع بضعة أمتار في مشهد كان ليغدو رائعاً في ألعاب القوى. لقد قفز ببراعة، وبدون زانة، فوق ذلك الحاجز الذي يفصل بين الحياة والموت. هوى في العالم الآخر مثل طائرة منكوبة ونجا مسدسه بأعجوبة.


-٣-

لا تَقتُل، فإن كان لا بد فليس بالسكين، ليس في المرة الأولى على الأقل. تذكر ذلك. ما أسهل المسدس، سبابة صغيرة وينتهي الأمر. الدم بعيد وأنت كذلك. يمكنك حتى أن تغمض عينيك، في مونتاج مريح، فلا تشهد تلك اللحظة. لكن لا بد للسكين من قبضة قوية، وذراعٍ مشدود، وعينين يقظتين، وما يكفي من الكراهية لتمضي في القتل ثم لا تندم. يطيش الرصاص أما السكين فلا. تشق طريقها في الجسد، تجوس في اللحم، تقطع الأنسجة باللذة التي تقطع فيها شرائح الأناناس. لقد صنعها الأسلاف حين لم يجدوا مخلباً. في المرة الأولى قد تتشنج، ولربما تتراجع، فتنوي الهرب لتجرّك السكين فتطعن طعنةً غير قاتلة. تُلقيها في الأرض فتترك الدليل، وتبقى السكين في يدك أبد الدهر، حتى لو بترتها. أو يحدث ما هو أسوأ، تقود سيارتك في هلعٍ ، فارّاً من السكين التي في جيبك فتقتل رجلاً لم تخطط لقتله كما حدث قبل قليل.  


-٤-

تقول المعادلة الخطية الشهيرة:

العمر= س(أمس)+اليوم+ص(غداً)

من المعلوم أن الغد هو من ينفق على الأمس، وأن اليوم ليس أكثر من مصروف جيب ثابت. يومٌ لا يسعك ادخاره، يومٌ لا بد من تبديده أو يبدد نفسه بنفسه، يومٌ واحد حتى اليوم الأخير، حتى يفلس الغد فتكون المعادلة في النهاية كالتالي: العمر يساوي اليوم وآلافاً من الأمس ولا غد. لكن القتيل وقد عزم على أن يطلق الرصاص على رأسه نسي هذا. 


-٥- 

لقد سبقت يدُ القدر يدَ الرجل، فأطلقت السيارة عليه قبل أن يطلق الرصاص على رأسه. هذا ما يحدث حين يماطل المرء كثيراً فلا يحسم أمره في الحال وينتحر. أي مفاجأة دهمته حين قُتِل قبل أن يضغط الزناد، فالمنتحر يظن أن لا أحد غيره سيتكفل بقتله.


-٦-

والآن لدينا قتيل كان سينتحر، وقاتل عن غير قصد كان يخطط لقتل رجلٍ آخر، وامرأة مذعورة لن تنام الليلة، وقصة. لكن لو أخرجنا السكين والمسدس لما وقع الحادث المروري، وما كانت القصة. سيقطع الرجل الشارع ثم تمضي السيارة في طريقها ثم تضع المرأة الضجرة يدها على فمها لتتثاءب لا لتصرخ.

تعليقات

  1. راااااائع يا عبدالله ناصر. وصف بليغ دون كلمة زائدة ولغة انسيابية وصفت المشاهد ببراعة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في مديح التنورة القصيرة..

حدائق السجن

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".