الملابس ـ أندريس نيومان





" كان أرستيدس معتاداً على الذهاب عارياً إلى العمل. وكنا نحسده جميعاً، ليس على جسده فلم يكن مثيراً للإعجاب، ولكن على تلك الثقة، وقبل أن نتمكن من الضحك كان يرمق ملابسنا موبخاً ثم يدير لنا ظهره ومؤخرته الشاحبة والخالية من الشعر.

" هذا الأمر لا يطاق " زمجر رئيس الإدارة عندما شاهده للمرة الأولى يتجول عارياً في الممر. فما كان من أرستيدس إلا أن أيّده بقوله: " فعلاً، فالجميع هنا يتأنقون بشكلٍ مروّع".

ونظراً لكوننا في الربيع افترضنا بأن الوضع لن يدوم حتى مطلع الخريف وبأن الطقس في النهاية سيعيد الأمور إلى نصابها. وفي نوفمبر، جرت الأنهار وعادت الأمطار إلى المجارير، والسحالي إلى المستنقعات ولكن شيئاً لم يتغير في أرستيدس بخلاف ارتعاشة أكتافه الخفيفة كلما انتهينا من العمل وخرجنا إلى الشارع. " لم أسمع بمثل هذا "، صاح رئيس الإدارة متدثراً بمعطفه المطري فأجابه أرستيدس بشكلٍ مرتجل: " فعلاً، فلم تثلج بعد".

وبمرور الوقت، حلّ التقديس بطريقةٍ بطولية مكان التمتمة. كان الكل راغباً في التسكع مثل أرستيدس، أن نمشي مثلما يمشي وأن نكون مثله بالضبط. ولكن أحداً لم يتُق إلى المبادرة بالخطوة الأولى حتى ذلك الصباح القائظ - ولأن بعض الأشياء لا بد من حدوثها - جاء أحدنا وهو يرتجف بلا ملابس. لم تُسمع ضحكة واحدة، بل على العكس عمّ صمتٌ سحيق، وبعد فترةٍ من الوقت صرنا نثرثر بإعجاب. نتأمل هذا الجسد العاري وهو يستعرض في الممر بينما يتظاهر البعض بأنه لا يرى شيئاً ويواصل عمله كما لو أن شيئاً لم يحدث. وبعد بضعة أسابيع على أية حال كان من النادر أن تجد أحداً بملابسه في المكتب. كان رئيس الإدارة هو آخر من أذعن: سبقنا إلى الظهور يوم الاثنين بكرامته الخائرة وجسده المشعر والمقزز بعيداً عن أناقته المعتادة. وفي تلك اللحظة شعر جميع الموظفين بالقوة والراحة. صرنا نتجاوز بعضنا البعض في الممر بصخبٍ ومرح، يصفع أحدنا مؤخرة الآخر بينما نستعرض عضلاتنا. وكلما آزرتنا عينا أرستيدس قابلناها بتجهمٍ وازدراء. 

أُدرِك أنه من الصعب مقاومة الشتاء، فلم يتبق عليه سوى أيام قليلة. جلدي أخبرني بذلك وعضلات أكتافي التي تنكمش كلما غادرت المكتب. بالرغم من تلك العوائق، أكثر ما يعذبني شعوري بالسذاجة كلما تذكرت السنوات التي قضيتها بملابسي. فأنا مستعد للبقاء هكذا - طوال الوقت الذي يحتاجه الآخرين لإدراك شجاعتي - حتى ولو استلزم الأمر أن أبقى آخر عارٍ في المكتب.

بالرغم من ذلك - لسببٍ ما - لا زلت أشعر كلما ذهبت إلى العمل بأني لست مثل أرستيدس. لنقل بأني أحاول كل صباح ولكن لا، لسنا سواسية*


* ترجمة بتصرف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في مديح التنورة القصيرة..

حدائق السجن

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".