ثور منزلي - عبدالله ناصر
عاد القلق. لا أدري من أين، ولا أدري إلى متى سوف يبقى هذه المرة. سألته فقط ما إذا كان سيمضي الليلة هنا فاكتفى بإيماءةٍ صامتة، ولو طرحتُ سؤالاً آخر لما أجاب. ليس لأنه كتومٌ بالفطرة، لا، فالقلق بطبيعته أبكم، وهذا ما يجعل كلاً منّا يسيء فهم الآخر. لغة الإشارة؟ لا أعرفها، ولو تعلمتها ما كان ليتعلمها هذا الثور، ولست أقلل من احترامه - ليتني أستطيع - فقلقي ثورٌ حقيقي، شديد السواد، يزن نصف طن، وأحياناً طن ونصف، وله قرنان رائعان. كان قد قرع الجرس بأحدهما، فتحت الباب ولو لم أفعل لحطمه كما فعل في مراتٍ سابقة. جربت بلا جدوى الكثير من الأقفال، ولما لم تفلح في حمايتي صرت أفتح الباب بسرعة، وعندما أتأخر أعتذر منه كما نعتذر من الضيوف. يدخل القلق على الفور ويدفع كتفي أحياناً، يتجول في شقتي، يعرفها جيداً، ربما أكثر مني. أتركه وأبقى حذراً، لا أدري متى سيهاجمني. لا أستطيع أن أصرعه، ربما كان هذا ممكناً في الماضي، عندما كان عجلاً صغيراً يرتمي علي، ويلقي رأسه الطويل، أصفعه فنضحك نحن الاثنان بلا توقف. أما الآن فقد صار ضخماً، له عيونٌ آدمية، وطاقةٌ لا نهائية مثل ريالته بالضبط. يركض فيجرحني هنا وهناك، تلك الندوب بسببه وهذه الساق التي صارت تعرج. تمكن اليأس مني في إحدى المرات، فوقفت قبالته ورفعت قميصي، فليبقر بطني ولينتهِ الأمر، صرخت بوجهه، شتمته، شتمت أمه أيضاً، ولم يتحرك. أمسكت بقرنه وقربته من سرّتي، وقلت بصوتٍ عالٍ: " هنا "، لم يبد مهتماً، بل استدار مبتعداً بمؤخرته المستطيلة وذيله القصير. أعرف أنه لن يقتلني، أعرف أيضاً أنه لن يتركني في حالي. في أحد الأيام أيقظتني رائحة نتنة، نفق أخيراً، وارتفعت قوائمه إلى الأعلى مثل كرسي مقلوب بعد يومٍ طويل في المقهى. ( لماذا يقلبونه هكذا؟ لا يبدو وضعاً مريحاً للنوم.) كادت رائحته أن تقتلني. تخلصت منه بمساعدة الأهل والأصدقاء. وبعد أسابيع عندما كنت أصعد الدرج، لحق بي ثورٌ صغير، أظنه ابنه البكر. سبقني منطلقاً إلى الطابق الثالث فأشرت قائلاً: " أسكن في هذا الطابق، وهذه شقتي."
تعليقات
إرسال تعليق