أرق وقصص أخرى ..
( أرق )
لا ينام.
يقع الأرق على جانبه الأيمن موزعاً بالتساوي على الطاولة الصغيرة والأباجورة فوقها وكوب الماء والكتب والنظارة والستائر.
أما على الجانب الأيسر فمن السهل أن ينزلق في النوم لولا أن الكوابيس تنام في الجهة نفسها، ومن المتوقع أن يسطو أحدهم عليه للمرة الألف في كابوسه شبه الليلي فيصرخ مستنجداً بأخيه أو بسلاحه ولا أحد منهما يقيم في شقته.
وعندما ينام على ظهره يكدس الآلام والتشنجات في مرطبان الرقبة، أو يحدق لوقتٍ طويلٍ في السقف فيوسوس بأنه سيهوي في أي لحظة فيبقر بطنه الستلايت، ذلك الضبع المعدني الذي ما انفك يفسد حياته بالأخبار العاجلة.
أما النوم على البطن فلا يليق برجلٍ يحترم نفسه ويفضّل عليه كل ما سبق لأن منظره يوحي بسيدٍ يهجم على الخادمة فوق البلاط البرتقالي للمطبخ فيطؤها دون موافقتها بمجرد أن تزور زوجته والديها.
جرب أن ينام جالساً على الكرسي كأنه على متن قطارٍ أو طائرة، لكن سؤالاً حال بينه وبين النوم: متى سيصل؟
( وصفة طبية للندم )
يندم كل يومٍ ثلاث مرات، ثلاث فقط، لا أكثر ولا
أقل. لا يعني هذا ألا يسمح لنفسه بأكثر من ثلاثة أخطاء في اليوم الواحد. لا، ليس
بالضرورة، فهو يندم حتى عندما لا يخطئ، بل لقد مرت أيام كثيرة ومتوالية لم يتمكن
فيها من ارتكاب خطأٍ واحد.
يندم كل ثماني
ساعات كما لو كانت روشيته. ولا بأس أن يفوت مرةً موعد الندم لأنه سيندم على ذلك
فوراً فيصبح المجموع ثلاثة وهو الرقم الذي يبدو معقولاً بالنسبة له. لطالما ردد
على مسامع الآخرين وعلى نفسه بالذات: " ثلاث جرعات من الندم أرحم بكثير من أن
يبتلع المرء أربعين ندماً دفعةً واحدة."
( السطو على تيفاني )
التقى الثلاثة عند أحد المتاجر، صادف أنه تيفاني، وبادر بالحديث أكثرهم ثقةً في النفس مدفوعاً بمهارته المألوفة في الارتجال عن ضرورة اقتناء بعض القلائد الفاتنة خصوصاً تلك التي من تصميم بالوما بيكاسو، ابنة ذلك العبقري - وهل في الدنيا بيكاسو آخر؟ - قلادة للزوجة ولو كنت عازباً وأخرى للعشيقة ولو ظننت بنفسك الاستقامة.
ثم أضاف وهو يدلك لغده النائم بأن الفرصة الآن تبدو أكثر من سانحة للسطو على هذا المتجر أما بالنسبة إلى الخطة فقد أعدّها منذ أن شاهد فيلم أودري هيبورن وقد راجعها بعد قراءة قصة كابوتي. هل اطلع أيّاً منكما بالمناسبة على الفيلم أو القصة؟ لا بأس، فلم تقع هناك أي عملية سطو ولكنها ستقع هنا بعد قليل.
يبدو أن أحداً منكم لم يقدم من قبل على السرقة وهذا فألٌ حسن أيها السادة. لا شيء يشبه حظ المبتدئين. الخطة بسيطة جداً بل تكاد تشبه ما يفعله الصغار لسرقة الحلوى. يدخل الأول فالثاني أما الثالث فيقف عند الواجهة من أجل مراقبة سير العملية في الداخل والخارج.
هيّا، دخل فوراً يتبعه ظله المتردد، وأشار إلى عقدٍ من الألماس وما إن أخرج البائع ذلك العقد حتى سأله: ألا تظن بأن العقد أجمل ما يكون على الجسد العاري؟ وقبل أن يجد البائع الخجول جواباً، اختطف العقد وانطلق يجري مثل مجنون - هو وظله - داعياً صورته على واجهة المتجر أن تتوقف عن المراقبة وأن تركض هي أيضاً بأقصى ما تستطيع.
تعليقات
إرسال تعليق