ما يراه عزت القمحاوي
لا ينتبه أكثرنا حين تسقط ورقة من شجرة، وهو أمر لا يستغرق أكثر من بضع ثوان، فإذا انتبه أحدنا قال إنه الخريف. أما القمحاوي عزت فلا يرى الورقة أو تبدل الفصول إنما يرى البذرة فالجذور فالجذع حتى يكاد يلمس براحته اللحاء الخشن، فالنسغ فالأوراق، ولربما لمح بينها بارون ايتالو كالفينو أو هلال رينيه ماغريت، فالندى فالأزهار فالظلال تحرس خلوة عاشقَين أو قيلولة هارب، فالغابة، فالفأس أو الحرائق ولربما تناهت إلى سمعه أثناء ذلك فصول فيفالدي الأربعة. فإذا لم تسقط على الرصيف ورقة من شجرة، أو كان الشارع بلا أشجار، سقطت من المارة نظرة كابية مثل حصاة صغيرة، أو تأتأة ساقٍ تجاهد لتتقدم خطوةً أخرى، أو رعشة خفية لسماع سارينة الشرطة من بعيد. يرى القمحاوي عندئذ ذلك الحصى الخفيّ يتكوم على الأرض شيئاً فشيئاً آخذاً في الارتفاع حتى يصنع تمثالاً للطاغية. يتبع بعينيه التمثال إذ راح يسير متثاقلاً إلى الميدان ليقف رافعاً يده الحجرية في تلويحة هي أقرب إلى التهديد منها إلى التحية ليخطب طوال ثلاثين سنة في الناس والشمس والهواء والنجوم والطيور التي تتخذه مرحاضاً. لئن كان سامي يعقوب -أحد أبطال القمحاوي- يسبق الغيب بخطوة فيرى ا