المشاركات

عرض المشاركات من يناير, ٢٠٢٠

ست الحبايب..

صورة
في رأسي راديو قديم ماركة باناسونيك. لا أدري ما لونه، ربما كان أسود، فإذا كان كذلك فلا بد أنه يخص جدتي. كان ينام بجانبها مثل طفل، فإذا انشغل الجميع راحت تلكزه لينقل أخبار العالم.  أدرتُ إبرة الراديو الذي في رأسي ريثما أنتهي من صنع القهوة. كانت فايزة أحمد تغني "آخد حبيبي أنا يمه" وتستحلف أمها ألا تقطف الوردة من قلبها. زعمتْ أن حبيبها هو من غرسها بنفسه، وهذا ما دفع الأم إلى الشك في ذلك البستاني الزائف. لقد انخدعت هي أيضًا من قبل حتى تعلمت أن وردة اليوم هي أفعى الغد. ما كانت لتنجو مرةً تلو أخرى لولا أن للقلب، كما هو شأن القطط، سبعة أرواح. ما إن يخفق القلب حتى يغدو قطة سمينة خرقاء ثم تكون النهاية التي نعرفها.  لم أحب فايزة يومًا، بل لطالما استنكرت محبة الناس لها. ومع ذلك، لم أغير الإذاعة، فقد اعتراني الفضول لمعرفة ما سيحدث بين الأم وابنتها. تبين للأسف أن فايزة سرعان ما فقدت المتبقي من عقلها إذ راحت تغزل مثل بينلوبي طاقية لذلك الغريب. طالت لياليها فبدت مثل ليالي النابغة بطيئة الكواكب أو ليالي امرئ القيس التي شُدت فيها النجوم بحبالٍ إلى جبل يذبُل. وهكذا لطمتُ رأسي فل

فرمان علي

صورة
يبيع فرمان الفول في الحيّ منذ زمنٍ بعيد، قبل أن يولد. لا ينسى رغم الشيخوخة أن يضع ربع ليمونة ونصف بصلة و"صباح الخير" في الكيس. تبدو يده العريضة تابعةً لجرّة الفول لا لجسده. أظنه يعود كل ليلة بالجرّة إلى البيت، أو يعود من غير يده، يتركها تنام هناك بداخل الجرّة. تصحو يده الخشنة في الصباح لتطبطب على أكتافنا قائلةً ما عليش. أواظب على زيارته كل جمعة كأنه قبر أبي. يثير أحدهم اللغط عند الخباز المجاور -إذ لا قيمة للفوال هنا بدونه- فيتلفت الزبائن بفضول وحسرة على زمنٍ كنا نبدي فيه الاحترام الكافي للتميس. ما الذي حدث؟ كان للتميس منزلة كبار السن. أي قاعٍ جديد سنهوي إليه! ما ظنناه قعر الهاوية بدا قمة هاويةٍ أكبر.  يعودون إلى أطباق الفول، وأعود معهم. الفول على الطاولة والفيل في رأسي. ليس فيلاً واحدًا بالضبط بل اثنين. فرّ الأول من أدغال إفريقيا والثاني من المجاز. قالا بغضبة زوجةٍ شابة وبصوتٍ واحد: "لن نعود أبداً"، وبحكمة الآباء الطاعنين في السنّ مثل لبيد قلت: "لا بأس". ظننت أنهما سيبقيان لبعض الوقت ثم سيذهبان من تلقاء نفسيهما أو تكبّر إفريقيا عقلها وتعت

أرشد جاويد

صورة
ثلاثة تحملوني في هذه الحياة: عائلتي وأنا -نعم أنا، من يزعم منكم أنه لا يتحمل نفسه؟- وأرشد الحلاق الذي انحدر من جبال باكستان إلى الساحل الشرقي. كنت آنذاك مراهقاً يحلم بشاربٍ كث يشبه شارب أبي ولكن بعض الأحلام لا تتحقق رغم بساطتها. قلت بعد عشر سنوات الحمد لله فأنا لست أمرد على الأقل. لكنني أخذت أكدس سخطي على عشرات الحلاقين: عبدالرحيم، وأرشد، وسليم، ومراد التركي، وتيري الانجليزي، وأرشد مرةً أخرى، وسيدة برشلونية تعمل في زقاقٍ غير بعيد من أوبرا ليشيو أوشكتْ أن تقتلع شاربي بأكمله ولما أبديت امتعاضي شتمتني بالكاتلونية أو لعلي كنت أتوهم فرددت عليها بالعربية تحسباً، وحلاقين كثر لا أتذكرهم ولا يتذكروني.  السيناريو نفسه كل مرة. أخلع النظارة فلا أرى شيئاً حتى ينتهي أرشد من الحلاقة فأطلب أولاً المرآة الصغيرة فالكبيرة ثم أعود للصغيرة مرةً أخرى. امممم قص هنا شوي، شوي بس، كأن هذا أطول، قصّره، مو هذا هذاك حتى أختم بالقفلة المعتادة: "بس خلاص لا تخربه أكثر." وفي لحظة صدق نادرة تساءلت ألا تكون العلة في الشارب نفسه؟ لكنني أتذكر جيداً أنني خرجت مرةً أو مرتين راضياً عن الحلاقة.