المشاركات

عرض المشاركات من 2016

إطلاق السالِفَين - غيّرمو روساليس

صورة
ما إن فُتِح باب صالون أليبيو للحلاقة، في الصباح الباكر، حتى دخل رجلٌ له وجه سفاح، مرتدياً زيّاً أزرق لحارس أمن، بجرابٍ ملئ بالطلقات، يتدلى منه مسدس من طراز ستار. سرت رعدة في قدمي أليبيو _حالما رآه_ وتصاعدت حتى استقرت في قلبه الذي اضطربت نبضاته. لقد كان هو. لم ينس أليبيو ذلك الوجه الطيني، وتلك الأذنين المشعرتين، والسنّ الذهبي، والشارب النحيف الذي كان صرعةً دارجةً في الخمسينات. لقد كان هو. لم تستطع تلك الثلاثين عاماً أن تغير ملامحه الرئيسية. لقد كان هو. هنا في ميامي، حارس أمن في المقبرة أو في متجر ملابس. أما هناك في كوبا، قبل الثورة، فقد كان النقيب السافل أوفيديو ساما ذو الصيت العنيف والآثم في المخابرات العسكرية. خطر في ذهن أليبيو لأول مرة أن ابنه كان سيبلغ الثامنة والأربعين، وبتلك الموهبة الحسابية، كان من الممكن أن يغدو الآن اقتصادياً لامعاً أو محاسباً عبقرياً. هذا ما كان يدرسه في الجامعة _ المحاسبة_ عندما قتلوه. - " هل ترغب في الجلوس؟ هناك حلاق آخر ولكنه لن يأتِ قبل العاشرة." سأله أليبيو. - " جئت من أجل الحلاقة فقط." أجاب بصوتٍ خشنٍ يتوافق مع ملامحه. -

الروائي محمد عبدالنبي يكتب عن فن التخلي:

ما بين سطرٍ واحدٍ وصفحةٍ كاملةٍ تتراوح محتويات فن التخلّي، المجموعة القصصية الأُولى للكاتب السعودي عبد الله ناصر والصادرة حديثًا عن دار التنوير، غير أنَّ أغلب القصص الواحد والثمانين مكتوبة في فقرةٍ واحدةٍ مِن بضعة سطورٍ، في كثافة قصيدة النثر وطرافتها، وطموح الأقصوصة أو النادرة إلى اكتناز العالم كله بين قوسَي تنصيصٍ. لن يشعر القارئ بهويةٍ تقليديةٍ لكاتب هذه الأقاصيص، بمعنى قدرتنا على تحديد سياقٍ مُحدَّدٍ له، سياق مكاني وزماني وثقافي، إنه فقط يكتب في أيامنا هذه التي تنهزم فيها الحدود الحاسمة، على الأقل في الواقع الافتراضي، وتنحسر فيها أساطير نقاء العرق والنوع، على الأقل بين الأنواع الفنية، ويغيب فيها التشبث الأحمق بالخصوصية، على الأقل في بعض منتجات الفن والثقافة. كأننا أمام ذاتٍ عالميةٍ، تتحرّك بحريةٍ تامةٍ على خريطة جوجل إيرث، وبين روايات وأفلام وموسيقى وأعمال فن تشكيلي تنتمي جميعها إلى التراث الإنساني عمومًا والغربي خصوصًا واللاتين أمريكي تحديدًا. غير أنَّ الفن هُنا ليس لذاته، فكأنه مجرد ذريعةٍ للعبةٍ أشمل وأخطر، لعبة خلط الأزمنة والأمكنة، لتصير المرجعية الفنية والثقافية مجرد آلة

هل أحلم الآن؟ - ميغيل كوريا موخيكا

صورة
أحلم الآن. يبدو الآن كل شيءٍ بشعًا. يبدو الآن كل شيءٍ أكثر بشاعةً ممَّا لو كنت صاحيًا؛ لأن الأمور في اليقظة لا تحدث بهذه السرعة الهائلة. في هذا الحلم الذي أحلمه الآن، تحدث كل الأشياء دفعةً واحدةً وبلمح البصر، بينما تحدث في اليقظة على مراحل. لهذا لا أطيق الانتظار حتَّى أصحو. في هذا الحلم، يكسرون اثنين من أضلاعي. يؤلمني ذلك بالقدر نفْسه كما لو كنت مستيقظًا، ولكني أعرف بأنني أحلم، وبأن هذا الألم ليس إلا فانتازيا. عندما يكسرون أضلاعك في الحلم، سوف تتألم كما لو أنهم يكسرونها في الحقيقة. هذا ما يجعلني أتأخَّر كثيرًا في الذهاب إلى النوم؛ لأني أعرف ما الذي ينتظرني هناك. تحدث الأحلام هنا حتى قبل النوم. تهاجمنا أحيانًا في منتصف الطريق، في الظهيرة بينما نقف في طابور إلى منتزه لينين. حاولتُ تفادي هذا الحلم، حاولتُ الهرب منه، منفقًا الكثير مِن الوقت، وأنا في السرير، في التفكير بالأموال التي اقترضتُها. لم ينتظرني هذا الحلم حتَّى أغمض عينيَّ، لا يمكنه الانتظار كل هذا الوقت. بدأ الحلم في الحدوث ظانًّا بأني قد استغرقتُ في النوم. كنتُ مستيقظًا بلا نعاسٍ مثلما أنا الآن. صار الحلم فوقي بالفعل،

أصوات في رأسي - جاك هاندي

صورة
لا أعرف أبداً متى ستبدأ في محادثتي تلك الأصوات التي في رأسي . قد أخرج من شقتي وأتطلع إلى الغيوم، فتخبرني الأصوات فجأة بأنها قد تمطر وبأنه لا بد من العودة لإحضار المظلة. أطيعها في بعض الأحيان وأذهب للإتيان بمظلتي، وفي أحيانٍ أخرى أستجمع قواي وأرفض الامتثال لها. ولكنها لا تدعني أنسى هذا العصيان، خصوصاً عندما تمطر. تبادر إلى القول: " لقد كنت على علمٍ بذلك، كان عليك أن تجلب المظلة. لماذا لم تحضرها؟" لا أتوقع منك أن تفهم كيف تبدو تلك الأصوات التي في رأسي وهي تشير إلى ما يجب فعله. ولكن الأمر أشبه بكابوس أعيشه طوال الوقت. الآن على سبيل المثال، تقول الأصوات بأن عليّ تغيير كلمة " كابوس" إلى " جحيم ". بمجرد أن أصحو تعذبني الأصوات. تقول: " انهض واذهب إلى الحمام لكي تتبول ". وهكذا طوال اليوم لا تتركني: " جد شيئاً لتأكله "، " خذ قيلولة "، " اذهب إلى الحمام مرةً أخرى "، " تجهز للنوم " ولا تتوقف أبداً حتى أثناء النوم، تدعوني إلى الاستيقاظ والتبول. أخشى ما أخشاه أن تدعوني تلك الأصوات إلى القيام بعملٍ جنوني مثل ال

ثلاث قصص قصيرة جداً - انريكي اندرسون امبرت

صورة
  السجين عندما أُلقيَ لويس أوغوستو بيانكي في الزنزانة، استغرق بضعة أيام حتى اكتشف أن بمقدوره التحلل إلى هواء والهرب مثل نسمةٍ بين القضبان ثم استعادة جسده في الجانب الآخر، والتسكع في الطرقات مزاولاً حياته كالعادة. كان ثمة عائق وحيد يتمثل في الحراس الذين يقومون بتفتيش الزنزانة. كان على بيانكي أن يترك كل شيء ويعود في طرفة عين محافظاً على صورة السجين. تلك مسألة ضمير! فلو تغافل السجانون لأصبح بيانكي حراً في الحقيقة. كان قد أعد جدولاً زمنياً لجولات الحراس حتى يتمكن من التسكع في المدينة خلال الساعات الأكثر - أو حتى الأقل - أماناً بلا خوفٍ من المقاطعة. كان بوده لو قضى الليل بطوله في الخارج على الرغم من كونهم قد اعتادوا على القيام بجولات مفاجئة في السجن. فقد اضطر أكثر من مرة إلى التحلل من ذراعي امرأة ما إن يشعر بهم وهم يفتحون الزنزانة. لم يكن راضياً على الإطلاق. أخذ يتخلى شيئاً فشيئاً عن قدرته على التبخر وآثر في النهاية البقاء في السجن.   غيرة  صَحَتْ إيليسا وهي تتعذب من الغيرة، كانت تحلم أن زوجها يغازل امرأةً أخرى، وما عذبها مثل شوكةٍ لعينة أنه إذا تجاسر على فعل ذلك في حلمها فما

Mansoura Ez Eldin : فن التخلي.. فن الكتابة

Mansoura Ez Eldin : فن التخلي.. فن الكتابة : منصورة عز الدين من المفترض بالأدب أن يدفع القارئ للنظر بعين جديدة، أن يزيح ستارة الاعتياد عن عينيه ويدفعه لاكتشاف المدهش والمثير ...

أرامل مارغريت سولافان

صورة
مارغريت سولافان هو أحد الأسماء الحقيقية التي يندر وجودها في قصصي المبكرة، ويعود ظهوره إلى سببٍ بسيط. جميعنا نتورط في فترة المراهقة بعلاقات حبٍ مع نجوم السينما، وعادةً ما يكون ذلك الحب صارماً وتأسيسياً. نجمة السينما ليست امرأة تماماً، فهي أقرب إلى الصورة. وفي ذلك العمر، يبدو الوقوع في غرام الصور - بدلاً من النسوة اللائي من لحمٍ ودم - أولى الخطوات الطبيعية. ويتكفل الواقع بتعليمنا لاحقاً أن نجمة السينما - التي من الممكن بالطبع مشاهدتها والاستماع إليها - ليست أكثر من بديلٍ تافه لامرأةٍ حقيقية بمقدورنا شمّها وتحسسها وتذوقها أيضاً. وبالرغم من كون الممثلة هي أول من تخطف أنفاسك وتبقيك ساهراً طوال الليل إلا أنها تمنحك فرصةً كي تعلن عن مشاعرك وتجمع منها ما يكفي لمسودة حبٍ أولى، بمقدورك مراجعتها في السنين القادمة مع فتاةٍ أو سيدة قد لا تشبه أول امرأةٍ حلمت بها، لكن بوسعك الإحساس بملمس يديها، بوسعك أيضاً تقبيل شفتيها دون الحاجة إلى مراسمٍ أو طقوس، ولا يتوقف الأمر عند الإعجاب بعينيها فقط لأنهما سيبادلانك الإعجاب نفسه. على أية حال، تظل العلاقات السينمائية على قدرٍ من الأهمية. الجلوس وجهاً

في متجر الملابس المستعملة - أندريس نيومان

صورة
للهواء رائحة الجلد المدبوغ، والكآبة المقصودة تجعل من الصعب رؤية الأشياء بطريقةٍ ملائمة. في الغالب، بدت جميع المعاطف في حالةٍ جيدة. ثبتتْ نظارتها، وأخذتْ تفكر في ذائقة زوجها التي لا يمكن التكهن بها، وتقع ما بين التقليدية وغريبة الأطوار. شعرت بحاجةٍ ماسةٍ إلى التدخين. سوف تزورها الدورة الشهرية هذا المساء أو في صباح الغد على أبعد تقدير. الخنجر اللحوح أسفل سرّتها، وامتعاضها من كل شيء، ليس إلا مؤشرات تسبق قدومها. أخذتْ معطفاً عريضاً بني اللون وتفحصته للحظة ثم أعادت تعليقه. انتزعتْ معطفاً أسود ذو ياقة مدببة وأعادته أيضاً، تناولتْ معطفاً طويلاً لونه رصاصي وله بطانة عند الكتفين. فكرتْ بخبث، يبدو ذكورياً جداً، أعادتهُ إلى الرف، حتى توقفتْ عند معطفٍ غامق وتأملته بإعجاب. يبدو ملائماً جداً لذائقة زوجها الكلاسيكية. بوسعها رؤيته بنقاءٍ هائل بهذا المعطف، كما لو أنها فعلاً قد شاهدته وهو يرتديه، كما لو أنه ينتمي إليه تماماً. في الحقيقة، ها هي تفكر الآن، يكاد المعطف أن يكون مماثلاً لذلك الذي أهدته زوجها في الكريسمس قبل الماضي. ولكن مستحيل، تحاول عبثاً أن تتأكد. تتحقق من البطانة وعرى الأزارير و

طرق الذهاب إلى البيت - اليخاندرو زامبرا

صورة
... وفي الصباح تظاهرت بالمرض حتى أنام أكثر من المعتاد، خرج والداي بعد سيلٍ لانهائي من التعليمات، فذهبت لإعداد الإفطار ثم بحثت عن الشريط الذي يحوي أجمل أغنيات رافاييل. كانت والدتي قد قامت بتسجيلها من الراديو. وعندما حاولت تشغيله لسوء الحظ انزلق إصبعي لثوانٍ على زر التسجيل الذي أفسدته عندما كان الكورال يردد أغنية " لا أحد يعرف شيئاً ". كنت يائساً وبعدما فكرت قليلاً قررت أن الحل الوحيد هو أن أغني بدلاً من الكورال. بدأت في التمرن على تغيير صوتي حتى بدا لي مقنعاً ثم قمت بالتسجيل على الفراغ، واستمعت إلى النتيجة عدة مرات. يمكن القول بقليلٍ من التسامح أنها كانت جيدة على الرغم من غياب الموسيقى في تلك الثواني. ربما ينهرني والدي ولكن لن يصفعني. إنه لا يصفع أبداً. لم يكن الضرب من صفاته فهو يفضل تلك العبارات المنمقة والتي تبدو مدهشةً في البداية، ذلك لأنه يقولها بجدية ممثلٍ في الحلقة الأخيرة لمسلسلٍ إذاعي : " لقد خاب أملي بابني الوحيد، لن أغفر لك أبداً ما فعلته، هذا السلوك غير مقبولٍ على الإطلاق .. الخ". على الرغم من ذلك، كنت على الدوام أملك هاجساً بأنه في يومٍ ما س

تأملات اندريس نيومان في كتابة القصص القصيرة *

صورة
- الصوت هو من يقرر الحدث لا العكس. - القصص الدائرية تماماً تطوق القارئ فلا تسمح له بالخروج كما لا تسمح له بالدخول أيضاً. - ليس للقصة القصيرة جوهر، فقط بعض العادات. - كل قصة قصيرة تنتهي في الوقت الصحيح يمكنها أن تبدأ مرةً أخرى بشكلٍ مختلف. - الانفعالات المنضبطة تفضي إلى السحر أما تلك المنفلتة فلا تصنع غير الألاعيب. - في السطور الأولى تكون حياة القصة على حافة الخطر وتُبعث من جديد في السطور الأخيرة. - تظهر الشخصيات في القصة بعفوية، تمر بجانبنا وتمضي في سبيلها. - كتابة قصة قصيرة أشبه بالقدرة على الاحتفاظ بالسرّ. - تُحكى القصص بصيغة الماضي ولكنها تحدث الآن دائماً. - المبالغة في تعقيد الأحداث المتناقضة تصيب القصة القصيرة بالأنيميا وقد تخنقها حتى الموت. - في القصة القصيرة، يمكن للدقيقة أن تكون لا نهائية كما يمكن للأبد أن يطوى في دقيقة. - السرد يشبه الغواية: إياك أن تشبع فضول القارئ بالكامل. - المراجعة تعني الاختصار. - إذا أخفقت في إثارة المشاعر، لا بد أنك أخفقت في كتابة القصة. - تعرف القصة القصيرة متى يجب أن تنتهي وتُبدي التزامها بذلك. عادةً ما تنتهي قبل زمنٍ طويل من خيلاء القاص. - لا

الرجل الذي اعتاد أن يقول له الناس: لا - جيورجيو مانقانيللي

صورة
ينتظر الشاب أن تضيء إشارة المشاة ليقطع الشارع في طريقه إلى منزل امرأةٍ ينوي التقدم لها، راجياً أن يُرفض. لطالما كان جيداً في دفع الناس إلى قول " لا " وفي العيش عموماً في محيط رفضٍ دائم. وعندما يُقبل عرضه في حالاتٍ قليلة، يبدو قادراً على إثارة فوضى مروعة. من حيث المبدأ، كان يتوقف عن لقاء امرأةٍ أجابت ب " نعم ". في الحقيقة، لم يكن حتى يحب تلك المرأة التي ينوي بطريقةٍ ما أن يعرض عليها الزواج، ولكنه يفترض بأنها تتوقع منه ذلك، وليس بمقدوره أن يعصي رغبة امرأةٍ - وإن أخفتها على نحوٍ صارم - لا ينكر إعجابه بها. هل كان ذلك الشاب، الذي من الممكن أن يعشق تلك المرأة، سينفر بشكلٍ أقل فيما لو قالت " نعم ". هو يفترض بطريقةٍ ذكوريةٍ وصريحة - وإن لم تسنح له الفرصة لتجربة تلك الطريقة الذكورية والصريحة - ولكنه في الحقيقة وبشكلٍ غير طائش على يقينٍ بأن النهاية ستكون على أية حال " لا "، وبأنه يجب على تلك المرأة أن تتمرن على حقها في الرفض، بالإضافة إلى رغبته الواضحة في أن يكون الجواب " لا " لترضي معاً - رغبة المرأة ورغبته الأكثر حميمة في أن يقال بأنه ل

الملابس ـ أندريس نيومان

صورة
" كان أرستيدس معتاداً على الذهاب عارياً إلى العمل. وكنا نحسده جميعاً، ليس على جسده فلم يكن مثيراً للإعجاب، ولكن على تلك الثقة، وقبل أن نتمكن من الضحك كان يرمق ملابسنا موبخاً ثم يدير لنا ظهره ومؤخرته الشاحبة والخالية من الشعر. " هذا الأمر لا يطاق " زمجر رئيس الإدارة عندما شاهده للمرة الأولى يتجول عارياً في الممر. فما كان من أرستيدس إلا أن أيّده بقوله: " فعلاً، فالجميع هنا يتأنقون بشكلٍ مروّع". ونظراً لكوننا في الربيع افترضنا بأن الوضع لن يدوم حتى مطلع الخريف وبأن الطقس في النهاية سيعيد الأمور إلى نصابها. وفي نوفمبر، جرت الأنهار وعادت الأمطار إلى المجارير، والسحالي إلى المستنقعات ولكن شيئاً لم يتغير في أرستيدس بخلاف ارتعاشة أكتافه الخفيفة كلما انتهينا من العمل وخرجنا إلى الشارع. " لم أسمع بمثل هذا "، صاح رئيس الإدارة متدثراً بمعطفه المطري فأجابه أرستيدس بشكلٍ مرتجل: " فعلاً، فلم تثلج بعد". وبمرور الوقت، حلّ التقديس بطريقةٍ بطولية مكان التمتمة. كان الكل راغباً في التسكع مثل أرستيدس، أن نمشي مثلما يمشي وأن نكون مثله بالضبط. و

ترجمة مقتطفات من رواية اندريس نيومان.

صورة
" .. أولئك الذين يعيشون بلا أطفال يعتقدون بأنهم يمتصونك حتى الجفاف - وهذا ما يفعله الأطفال حقاً، أقسم على ذلك - ولكنهم لا يدركون بأن تلك الطاقة التي يكرعها الأطفال مثلما يكرعون الماء من الحافظة نسرقها منهم بالمقدار ذاته تماماً. الأمر شبيه جداً بالدائرة الكهربائية. أشعر أحياناً بأن الأمومة ثقب أسود، مهما وضعت بداخله لا يكتفي أبداً، ولن تعرف أين ذهب كل ذلك. وفي أحيانٍ أخرى أشعر بأني مصاصة دماء تقتات على طفلها بالتهام حماسته لكي تتابع إيمانها بالحياة. ولكن الطفل أيضاً أشبه بصندوق إيداع، وإن بدا ذلك أنانياً. تستثمر فيه وقتك وتضحياتك وتوقعاتك آملاً أن يقرّ لك بالعرفان مستقبلاً. كنت قد تجادلت البارحة مع أختي حين قلت بالحرف: "الطفل عبارة عن استثمار." قالت بأنها فكرة مريعة، لا يمكن أن تُفهم الأمومة من خلال مصطلحاتٍ اقتصادية، ومهما يكن من أمر لا تقولي شيئاً من ذلك أمام ليتو. ولكني لا أرى الأمر بهذا السوء، فالأطفال أيضاً يضاربون بالحب، ويقضون حياتهم في إجراء حساباتٍ دنيوية: عندما أتصرف جيداً سأحصل على ذلك الشيء، وإذا ما تصرفت على نحوٍ سيء سينتزعونه مني، وإذا كنت لطيفا

هايكو - اليكسس روتيلا

صورة
تمحو آثامي أنفاس الكاهن المعطرة بالثوم . في المقبرة لماذا  نتهامس؟ . أقراص للنوم بحجم القمر . من مريضٍ   إلى آخر يدمدم الطبيب شكراً للتأمينات . اسبرسو الصباح كم سأفتقده بعد الموت . في البطاطا المهروسة تركتْ النادلة بصمتها . الاحتمالات إسمنت رطب . النبيذ يحسّن لغتي الفرنسية . موزارت روشيتة الدكتور مرتان في اليوم . معالجتي النفسية تحدثني عن مشاكلها . " أخرجوني من هنا " يقول والدي في غيبوبته . قبل أن يقفز خلع المنتحر ساعته الذهبية . أجاب على رسالتي صمته الطويل . كيف أوضاع العمل أسأل الحانوتي . " فلتأكلي كل  ما في الطبق " قلت لأمي العجوز  . كان صندوق الألعاب هذا فيما مضى  كل حياتي - في المرآة ينعكس حزن أمي على وجهي - امرأة  بعربة التسوق تدفع الريح - يصلون  حتى لا أذهب للجحيم أصدقائي الكاثوليكيين

صدور مجموعتي القصصية " فن التخلي " ..

صورة
تجدونها في معارض الكتب التي تشارك بها دار التنوير وفي موقع النيل والفرات وقريباً في مكتبات جرير بإذن الله.

القسّ بيركلي أو ماريانا الكون ـ ليليانا هيكر

صورة
"كم تبقى من الوقت لتعود أمي إلى البيت؟" كانت تلك المرة الرابعة التي تطرح ماريانا ذلك السؤال. في المرة الأولى أجابت شقيقتها لوسيا بأنها ستعود بعد قليل، وفي الثانية تذمرت: كيف من الممكن أن تعلم متى ستعود إلى البيت، وفي الثالثة التزمت الصمت واكتفت برفع حاجبيها والتحديق في ماريانا. أدركت ماريانا أن الأمور لا تسير بشكلٍ جيد وعليها أن تتوقف عن طرح المزيد من الأسئلة. على أية حال، سألت نفسها: لماذا أريد أن تعود والدتي ما دمت هنا مع لوسيا؟ ثم صححت لنفسها: لماذا أرغب بعودة أمي ما دمت هنا مع شقيقتي الكبرى؟أغمضت عينيها متأثرةً بشدة إزاء تلك الفكرة. الأخوات الكبيرات يعتنين بأخواتهنّ الصغار، قالتها كما لو أنها تلقي قصيدة. يالهُ من حظ أن يحظى المرء بأختٍ كبيرة. لوسيا بجناحين كبيرين للملاك الحارس تحوم لثانيةٍ فوق رأس ماريانا. وفي طرفة عين تستبدل تلك الصورة المجنحة بأخرى لطالما راودتها عندما تغادر الأم وتتركهما لوحدهما: لوسيا بعينين نافرتين خارج محجريها تصوب مسدساً نحوها. وبدون مسدس في بعض الأحيان، تنقضّ بأظافرها في محاولةٍ لاقتلاع عيون ماريا أو خنقها. والسبب نفسه دائماً: لقد جُنّت ل

قصائد قصيرة - كارلوس دي أندرادي

صورة
-1- تعاني النباتات أيضاً لم لا؟ إذا كانت المعاناة هي ما يوحّد العالم تعاني الزهرة  عندما تلمسها يدٌ غافلة وفي رقتها العذبة شكوى خافتة والحجر المشلول يعاني إلى الأبد ونحن  - الحيوانات في الأصل - لا يجب حتى أن ندّعي  حق المعاناة حصرياً -2-  قبّلتُ يد الكاهن يد الرب يد الجنة قبّلتُ يد الخوف من الذهاب إلى الجحيم يد المغفرة لآثام الماضي والمستقبل يد الخلاص وعندما أرى الكاهن يمشي في الشارع أرى قدري يمشي بجانبه مظلماً مشؤوماً بشكلٍ نهائي لو لم أقبّل يد الكاهن

رحلة إلى البنكرياس ـ خوان خوسيه مياس

صورة
لطالما تلقيت من الطوائف الدينية التي باتت تتكاثر مثل المشروم، دعواتٍ لحضور اجتماعاتها بعد أن تداعت منزلة الأديان وسلطتها. لم أتمكن من تخمين الطريقة التي كانوا يتوصلون بها إلى عنواني البريدي، حتى ذاعت فضيحة بيع القوائم البريدية. وبدافعٍ من الفضول قررت الذهاب إلى إحدى هذه اللقاءات. وصلت متأخراً، فجلست برصانةٍ في المؤخرة، واستمعت إلى الواعظ الذي كان ينتقد بقسوة أولئك الذين يهدرون أموالهم في السفر إلى البلدان الأجنبية، بينما لا يعرفون شيئاً عن البنكرياس والقلب والأمعاء. كان يتسائل وهو يغلي : " لماذا أرغب في السفر إلى أفريقيا إذا كنتُ لم أقم بزيارة كبدي ولو لمرةٍ واحدة ".  وبالنظر إلى وجوه المستمعين وتعابيرهم، فقد كان يجادل بطريقةٍ عقلانية ومؤثرة. ثم سألت نفسي ما الذي يضمن أن يتفوق منظر الغروب في أفريقيا على جمال مغصٍ في القولون؟ تخيلت لوهلة أني نفذت إلى المرارة وهي تفرز العصارة الصفراوية وقد بدا المنظر أكثر إبداعاً من شلالات نياغارا. ولكن يبقى السؤال كيف نحجز رحلةً إلى البنكرياس حيث لا حاجة إلى التذاكر أو جواز السفر.   أجاب الواعظ على الفور، وطلب منّا أ