المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠٢٠

جسِّرني..

صورة
  ربما كنت في الرابعة عشرة حين رافقتُ أمي إلى السوق. قالت: "جسِّرني" وهي كلمة ورثَتَها بالتأكيد عن أمها إذ لم أسمع غيرها ينطقها إلا نادراً. كانت جدتي رحمها الله تصرّ على ألا يذهب أحد أحفادها الصغار وحده إلى أي مكان حتى إلى بيت الجيران. أظنها كانت تخاف علينا من الضياع أو مكروه يسهُل وقوعه على فردٍ واحد كالوحدة مثلاً، أم تُراها كانت تخاف علينا من الوحدة؟ وقد رأت فيها ما يجذب الكوارث فاندفعت تدعونا كل مرة ليُجسِّر بعضنا البعض. أن يُجسّر المرء أحداً يعني أن يشجعه فيجعله جسوراً، بيد أنها كانت تقصد الشعور بالأمان لا الجسارة، وهكذا ظنت أن الرفقة تدفع الخوف بعيداً، وإن كنت لا أخفي محبتي الكبيرة للمعنى الحرفي "ساعدني لأعبر الجسر" وكل من يساعدنا على العبور هو جسر بشكل أو بآخر وهكذا يمكن أن تكون جسّرني "كن جسراً لي" أو بقليل من الرومانسية وعدم الدقة "كن جسري".    في طريقنا إلى السوق كان علينا أولاً أن نقطع محلات الأثاث حتى نصل إلى محلات الملابس والأواني. ولما وقع نظري على مكتب بني داكن توقفتُ فسألتني أمي ما الأمر. قلت أريده، فوعدتني أن تكلم أبي

أنا وهو..

صورة
ربما كانت له رائحة التفاح، أقصد الرجل الذي في النصف الأيسر من الصورة أما الآخر فلا رائحة له، وربما لا يعدو ذلك أكثر من عنوانٍ لإحدى قصائده الأولى. لم يكن عبدالله الناصر -الذي لست هو وليس أنا- أول كاتب يحمل هذا الاسم ولن يكون الأخير. كان قد سبقه إلى ذلك القاص عبدالله الناصر الذي يكبره بثلاثة عقود تقريباً. ربما ظن الكثير، والظن أعشى، أنهما الشخص نفسه، وهكذا اندفعوا يخلطون بين كتبهما فينسبون مناقب هذا لذاك، ويُحمِّلون الأول وزر الثاني في سلسلة طويلة من اللبس وسوء الفهم. ما من أحدٍ سيتطوع آنذاك، حتى قوقل، ليوضح الفرق بين القاص عبدالله محمد الناصر وبين الشاعر الذي ربما كانت له رائحة التفاح عبدالله حمدان الناصر. ثم جاء دوري أنا لأزيد من تعقيد الأمر فأجعل هذا اللبس ثلاثي الأبعاد. كان من الممكن تفادي كل هذا مبكراً لو أضفت فقط اسم العائلة بيد أن الأسلاف ما كانوا ليرضوا عني أبداً، وقد بذلوا أقصى ما بوسعهم لأرث هذا الاسم الذي يتكرر ثلاث مرات: عبدالله بن ناصر بن عبدالله بن ناصر بن عبدالله بن ناصر. كم كان ثقيلاً حين تسلمته مثل أمانة. على كل حال، ما إن صدر "فن التخلي" حتى خلطوا بيني