المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر, ٢٠٢٠

الجندي أول مسفر

صورة
لو استطعنا النظر إلى المرآة التي يقف قبالتها مسفر لرأينا شاباً قد فرغ من ارتداء بدلته العسكرية وراح يعدل قبعته قبل الخروج إلى العمل. على كل كتفٍ شريطة، وهذه رتبة الجندي الأول وهي أعلى من رتبة الجندي الثاني وأقل من رتبة العريف. لكن مرآة خيال مسفر تعكس شيئاً آخر إذ يرى قبعته العسكرية صارت قبعة كاوبوي، وقميصه الأخضر الداكن صار قميصاً مزركشاً، حتى البسطار يبدو في عينيه حذاءً طويلاً من جلد الغزال، ومع أنه قد حلق ذقنه للتو بحرصٍ كما تُحلق العانة إلا أنها تبدو متسخة في مرآته، ويعزز المسدس من أوهامه فيدوِّره بسبابته كما لو أنه حلقة مفاتيح ثم يعيده إلى جرابه.  وفي طريقه إلى العمل يتأمل مسفر البيوت والعمارات وناطحات السحاب فلا يرى غير أكواخ رثة تحمله على الأسى. يردد في سريرته: "هؤلاء الناس بحاجة إلى عمدةٍ آخر". يتوقف عند مقهى كوستا فيعبر بابه الزجاجي كما لو أنه باب حانة خشبي ويجلس وحيداً. لو شاء لأوقع في محبته سيدة شريفة -أو حتى ساقطة- ودمر حياته وحياتها. لكنه وقد علم يقيناً أن بقاءه حياً حتى الآن مرهونٌ بوحدته راح يعزي نفسه بقوله ما من بطل إلا وعاش وحيداً، فالوحدة قدر الأبطال. ينتبه إ

خمس قصص قصيرة لدان رودز

صورة
-طفل- استمر حملُ حبيبتي أكثر من سنتين حتى قلت لها إن الطبيب ربما كان محقاً حين قال إن الطفل قد لا يأتي. لكنها لم تكن تنصت لي، وهكذا راحت تواظب على شراء الحفاضات والعضاضات والقبعات والقفازات وبعض الألعاب الصغيرة للحضانة. وفي أحد الأيام عدت فوجدتها تحتضن باقةً بين ذراعيها. - "انظر، ها قد أتى، إنه ولد، وله عيناك". - "أحسنتِ، تهانينا". - "تهانينا لك أيضاً، لا يمكنك، في نهاية المطاف، أن تكون أباً كل يوم". - "فعلاً، لكنكِ في حقيقة الأمر من تحمّل كل العمل الشاق". -نوم- باتت حبيبتي تغفو مؤخراً أثناء ممارستنا الجنس. مضطرباً، سألتها ما إذا كان علي أن أغير الطريقة أو أي شيء آخر. فقالت إن كل شيء على ما يرام، وليس علي أن أقلق. لكنها واصلت غفواتها. هززتُها ذات مرة حتى استيقظتْ ورحت أتوسل إليها أن تخبرني ماذا تريد مني أن أفعل. "آه، لن ترغب في معرفة ذلك" وضحِكَتْ. قلتُ إنني أرغب في معرفته أكثر من أن أي شيء آخر في الدنيا، بل لا أفكر في غيره. أشاحت بوجهها وقالت في همس: "لا، طبعاً" كأنها تحدِّث نفسها. "لن ترغب في معرفة ذلك". -طبيعة- اك

لقاء

صورة
كان من الممكن لهذا الزجاج المستطيل أن يشغل جزءًا من واجهة مقهى، أو أن يُقطع إلى نافذتين في شقة، أو أربع نوافذ في سيارة، أو أن تُصنع منه بعض الفوانيس والفازات والمرايا. كان من الممكن لهذين الكرسيين المتقابلين -مع بعض التعديلات- أن يكونا في ذلك المقهى وبينهما فازة ورد، أو في تلك الشقة مع فانوس رمضان، أو في تلك السيارة بمراياها الأمامية والجانبية. كان من الممكن لهذين الهاتفين أن يكون أحدهما في المقهى والثاني في الشقة وتجري مكالمة بينهما لولا أنهما لا يرنّان أبداً، وبلا أزرار أيضاً، ومع ذلك لا يزالان يعملان بكفاءة. لكن هذا الزجاج المستطيل يفصل بين الكرسيين، وفي كل جانب سماعة، واحدة للزائر والثانية للسجين، وقد مضت الدقيقة الأولى في صمت ودموع، وتبقّت تسع وعشرون دقيقة.