المشاركات

عرض المشاركات من 2023

حدائق السجن

صورة
بينما أقرأ "وجبة المساء" لأندريه ميكيل إذ توقفت في كتابه الذي دوّن فيه يوميات السجن عند سطرٍ يبدي فيه أسفه على عدم حفظ الكثير من الأشعار. كان المستعرب الفرنسي قد سُجِن ظلماً في القاهرة بتهمة التجسس، مطلع الستينات إبان القطيعة المصرية الفرنسية بسبب حرب استقلال الجزائر. لا أقرأ أدب السجون في العادة، ربما لأنني قرأت منه ما يكفي، أو ربما للسبب نفسه الذي يمنعني من مشاهدة أفلام الرعب؛ لأحمي مناماتي إذ طالما حاولت عبثاً أن أتقدم على اللاوعي بخطوة حتى أقطع الطريق على الكوابيس. أميل إلى أدب الهروب لو وجد مثل هذا الأدب. الهروب من السجن مثلما فعل الكونت مونت كريستو أو أي هروب آخر، وإن لم أعد حالماً منذ زمن فالهرب اليوم لا يعدو أكثر من فكرة سينمائية. أعادني ذلك السطر الذي يتحسر على قلة المحفوظات الشعرية إلى رواية لإري دي لوكا كنت قرأتها قبل سنتين. كان البطل ممتناً لقصائد دانتي التي أُرغِم على حفظها في المدرسة إذ ستظهر منفعتها العظيمة لاحقاً حين يُزجّ في السجن فيدرك حاجته إلى التمارين اللغوية قبل الرياضية. خطر في بالي حينئذ أن حفظ القصائد ادخار عظيم على المديين القصير والطويل. الخطة الأسا

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".

  في التاسعة من عمري أو ربما في العاشرة دخلت أول متحفٍ في حياتي، ولم يكن ذلك المتحف سوى صالة أفراح. كانت صالات الأعراس -وماتزال- تتألف من قاعتين متجاورتين: الأولى للرجال حيث يسود الوجوم والضجر فيقاطعهما بين الحين والآخر سلامٌ حار أو ضحكة عابرة، والقاعة الثانية للنساء حيث تعج الأهازيج والزغاريد والضحكات. وكانت الجدران عديمة الرحمة تقف بين القاعتين مثل عذول، وكان الفرح يعبرها مع ذلك حتى يصلنا صدى رفيف الفراشات.  وما كان الولد الذي كنته ليعبأ بمصير البشرية كلها حتى يعبأ بأمر العروس والعريس وليلتهما الكبيرة، وهل سينجحان في تدمير بعضهما البعض ما إن يطلع الغد أم يكتفيان ببعض الحب وبعض النكد؟ تزعم أم كلثوم أنه من ده وده الحب كده. وأحسب أن القانون في كل دول العالم يكفل لكل امرئ حق التنكيد على شريكه. وإن لم يكفل في الوقت نفسه حق كل شخص في أن يحظى بإنسان واحد على الأقل يراه أفضل الناس أو أجملهم. على كل حال، ما كان يعني ذلك الولد من الزواج غير المشروبات الغازية المحرمة في البيت، فإذا انتهى العشاء دسّ الولد منا في جيبيه علبة بيبسي وعلبة ميراندا وسار بأورامه الجانبية السائلة يخادع الكبار كما يظن في