المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر, ٢٠١٩

ومرت الأيام..

صورة
في مثل هذا اليوم قبل خمسين سنة تقريبًا، استيقظ عبدالوهاب في بيته بالزمالك، فتح عينيه ولما اطمأن أنه ما يزال حيًا، استند على طرف السرير، ورفع رأسه قليلًا إلى أعلى الجدار حيث تنتصب صورة أمه، ألقى عليها تحية الصباح فردت بمثلها ودعت له بالرضا والرزق الوفير.  كانت السيدة نهلة القدسي حرم عبدالوهاب تُطِلُ كل خمس دقائق ولما وجدته هذه المرة مستيقظًا، أقبلت قائلةً: "صباح الخير يا حبيبي"، فاطمأن عبدالوهاب إلى أنها ما تزال حيّةً هي أيضًا، وابتسم مرددًا: "صباح الخير يا نانا". طبَعتْ قبلةً رطبة على خده فاستنشق عنقها حتى نما النعناع في شُعبهِ الهوائية، ولما ناولته النظارة أمعن فيها النظر فوجدها قد سرّحت شعرها القصير إلى الخلف، وجعلت أطرافه تلتف تحت أذنها فبدا أقصر مما هو في الحقيقة. كان عبدالوهاب قد أسرّ إليها ذات مرة أن هذه التسريحة تذكره بالمتنبي حين يقول: "على قلقٍ كأن الريح تحتي/ أوجهها جنوبًا أو شمالا"، ولما تجهمت قال إنها بهذه التسريحة توجِّه الريح أيضًا أينما تشاء، ثم غابت في قبلةٍ طويلةٍ مستحقة. كانت تعرف جيدًا أن هذه التسريحة تتيح، بين حينٍ وآخر، لعن

نيكروفيليا

صورة
الخلاصة أنها لم تكن يومًا له، وإن تزوجها، أما التفاصيل فما قيمتها الآن. على كل حال، لا بد أولًا من الإشارة إلى أن الرجل انتبه في صباه فأدرك، ثم سعى في شبابه فأدرك. هكذا نشأ حتى علّم بالحرمان نفسه ما لن يُعلمه أحد. لطالما كان ثور نفسه، يقوده فيحرثها. بذل ما بوسعه، وصادفَ أن الدنيا أيضًا بذلت ما بوسعها. أما زوجته فعلى العكس منه تماما، لم يعنِها كل هذا. ظنّ أنه سيصِلها بالزمن والمحبة، وقد أخطأ، إذ تساوى عندها أن تحطّ على سُرّتها قُبلةٌ أو سكين. قال لا بأس وراح يحاول كل يوم فيتقدم مثل حجر شطرنج، لكنها لا ترغب في اللعب. أحجارها ثابتة منذ اليوم الأول. نعم، لقد أطاعته لكن طاعة أسيرٍ ملؤها الضعف والاحتقار. فاتهُ أنها وإن فتحت ساقيها مرارًا لم تفتح له ذراعيها أبدا. في الفِراش تبدو مثل أوفيليا كما رسمها بالضبط جون ايفرت ميليه. تطفو ميتة مثل لوحٍ أبيض. تنقصها الزهور فقط، وبكاء الملكة حين تنثر الزهور وهي تتساءل بأسى كيف ظنت أنها ستنثرها في العرس لا في المقبرة. هذا السكون أفقده عقله لذا راح يتعمد إيلامها حتى تبدي علامةً على الحياة. أنّة أو رمشة على الأقل. أبت إلا أن تهمد تحته كجثة حتى توقف