أنا وهو..



ربما كانت له رائحة التفاح، أقصد الرجل الذي في النصف الأيسر من الصورة أما الآخر فلا رائحة له، وربما لا يعدو ذلك أكثر من عنوانٍ لإحدى قصائده الأولى. لم يكن عبدالله الناصر -الذي لست هو وليس أنا- أول كاتب يحمل هذا الاسم ولن يكون الأخير. كان قد سبقه إلى ذلك القاص عبدالله الناصر الذي يكبره بثلاثة عقود تقريباً. ربما ظن الكثير، والظن أعشى، أنهما الشخص نفسه، وهكذا اندفعوا يخلطون بين كتبهما فينسبون مناقب هذا لذاك، ويُحمِّلون الأول وزر الثاني في سلسلة طويلة من اللبس وسوء الفهم. ما من أحدٍ سيتطوع آنذاك، حتى قوقل، ليوضح الفرق بين القاص عبدالله محمد الناصر وبين الشاعر الذي ربما كانت له رائحة التفاح عبدالله حمدان الناصر. ثم جاء دوري أنا لأزيد من تعقيد الأمر فأجعل هذا اللبس ثلاثي الأبعاد. كان من الممكن تفادي كل هذا مبكراً لو أضفت فقط اسم العائلة بيد أن الأسلاف ما كانوا ليرضوا عني أبداً، وقد بذلوا أقصى ما بوسعهم لأرث هذا الاسم الذي يتكرر ثلاث مرات: عبدالله بن ناصر بن عبدالله بن ناصر بن عبدالله بن ناصر. كم كان ثقيلاً حين تسلمته مثل أمانة. على كل حال، ما إن صدر "فن التخلي" حتى خلطوا بيني وبين صاحب "جثث في ثياب الخروج". كان علي أن أبحث عنه كما فعل ماكسيمو أفونسو في رواية ساراماغو "الآخر مثلي" حينما شاهد شبيهه يظهر في أحد الأفلام. قال أفونسو: "لا ينقصني أنا إلا الشارب ولا ينقصه هو إلا أن يكون أستاذ تاريخ، أما بالنسبة إلى ما تبقى، فكل شخص يمكن أن يقول إننا متطابقان". والحال نفسه مع عبدالله الناصر، ينقصه الشارب وينقصني أن أكون أستاذ فلسفة. عبثاً رحت أؤكد على أن أل التعريف تخصه هو، حتى لا أكون ممن يُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، وأنني لا أكتب الشعر ولم أترجم يوماً لبيسوا. الطريف أننا التقينا في معرض الشارقة دون أن نعلم، كانت يارا المصري توقَّع ترجمتها الجديدة ولما قلت عبدالله ناصر قالت إنها وقّعت للتو نسخةً لعبدالله الناصر حتى ظنت أنه أنا، ثم أشارت لرجلٍ راح يبتعد بهدوء، لم أنتبه حينها أنه هو. بدا أن هذا اللبس سيطول كما حدث في أغنية حليم "فاتت جنبنا، أنا وهوّا". بدا أيضاً أننا نتواطأ بطريقةٍ ما، أنا وعبدالله الناصر، إذ ينسحب فيفسح لي الطريق ثم أختفي بعدها ليظهر، كما لو أننا نحافظ على نظام الأشياء على طريقة مارك ستراند. "عندما أسير/ أشق الهواء/ ودائماً ما يتقدم/ ليملأ الحيز الذي أخلفه". لا أشارك في الندوات، ولا في الحوارات، ولا صورة لي، وهو كذلك. عند صدور "العالق في يوم أحد" جاء أحدهم ليطلب نسخةً موقعةً لصديقه، وصادف ذلك وقوفي بجانب الناشر العزيز حسن ياغي الذي مازحه بقوله: "لا يمكنك الحصول على توقيعه أبداً" فاقترحت بدوري أن يوقع الناشر، لا فرق كبير، ثم لن يدري صديقك على كل حال، فاندفع قائلاً: "لكنني أدري" وأضاف: "أريد نسخةً موقعة لي أيضاً" فما كان مني إلا أن سارعت، حتى لا يتحول ما بدا مزاحاً إلى شيء آخر، فأخذت نسخته لأوقعها فإذا به يدفع يدي بعيداً. قلت أنا عبدالله ناصر فلم يصدقني، ولم يصدق الناشر إلا بعد حين. أصدر في العام الماضي عبدالله الناصر كتابه البديع "قهوة نامه" فانهالت عليّ التبريكات بل وطالب البعض بنسخته الخاصة وهكذا رحت أوضح ما سيظل ملتبساً على الدوام. بعثت بعدها برسالةٍ لعبدالله الناصر لا لتصفية حساباتنا كما فعل أفونسو ولكن لأعتذر عن كل المرات التي كان عليه أن يوضح أنه ليس أنا. آمنت الآن أن هذا اللبس لا بد منه حتى مع الصورتين المتجاورتين، والحق أنني ما عدت أمانع أن نتقاسم هذا الاسم، بل حتى أن يكون أحدنا الآخر.

تعليقات

  1. تدوينة رائعة، اعانك الله على ما تمر به بسبب هذه اللخبطة
    قرأت لك فن التخلي، لكن لا أتذكر كم أعطيتها تقييما، لذا سأعيد قرائتها مجددا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حدائق السجن

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".

في مديح التنورة القصيرة..