أربع قصص قصيرة جداً للأرجنتيني انريكي اندرسون إمبرت*



-١-

تندم الزمن بشدّة عندما رأى ما فعله بذلك المسكين: مغطى بالتجاعيد، بلا أسنان، يشكو الروماتيزم، شاب شعره وانحنى ظهره. قرر أن يساعده بطريقةٍ ما فمرر يده على كل ما في ذلك المنزل: الأثاث والكتب واللوحات والأطباق ... ومنذ ذلك الوقت صار بمقدور العجوز أن يعيش، ما تبقى من حياته، على بيع ممتلكاته بأثمانٍ باهظة، تلك الممتلكات التي صارت الآن أنتيكات نادرة.


-٢-

عدت إلى البيت في ساعات الفجر الأولى، مثقلاً بالنعاس والتعب. وعندما دخلت كان الظلام دامساً، وكي لا أوقظ أحداً مشيت بحذر حتى الدرج الحلزوني الذي يقود إلى غرفتي. وما إن وضعت قدمي بصعوبة على الدرج حتى تساءلتُ ما إذا كان هذا البيت بيتي أم بيتاً آخر يشبهه. كلما صعدت خشيت أن يكون ذلك الولد الآخر - قد يكون مثلي تماماً - نائماً في غرفتي، ربما كان يحلم بي، وأنا أصعد الدرج الحلزوني بهذه الطريقة. وصلتْ، فتحت الباب فوجدته هناك، أو لعله كان أنا، الغرفة مضاءة بنور القمر. جالساً بعينين متسعتين على السرير. أخذنا لوهلة نحدق لبعضنا البعض. ابتسمنا، بدت ابتسامته شبيهة بتلك التي على شفتيّ، كما لو أنها على المرآة. أحدنا كان مخطئاً. " من يحلم بالآخر؟ " صرخ أحدنا أو ربما صرخنا معاً. وفي تلك اللحظة تناهت إلى سمعنا خطوات قادمة من الدرج الحلزوني. اتحدنا معاً بحركةٍ واحدة، وهكذا أخذنا نحلم بأن الذي يصعد الدرج هو أنا مرةً أخرى.


-٣-

كان ماريانو ضابطاً في إحدى محافظات بوينس آيرس. وفي إحدى الأماسي هرعت إحدى الجارات وهي تصرخ: " لقد انتحر زوجي. " " هدئي من روعك يا سيدتي. " اعتمر ماريانو قبعته وحمل سلاحه، ومضى برفقة الخفير إلى بيت المرأة التي لم تكف عن الكلام والأنين : " إنه خطئي، نعم أنا المذنبة، أنا المذنبة. تشاجرنا فقال إنه لم يعد قادراً على تحملي أكثر من ذلك. أقفلَ على نفسه الغرفة وضغط على الزناد. آه يا للكارثة! الآن عندما حملتُ بطفلٍ آخر." 
طرق ماريانو الباب بقوة، وبما أن أحداً لم يُجِب، كسر الباب بقدمه. كان الرجل ممدداً على السرير ينظر إليه بهدوء، والمسدس على الطاولة الجانبية.
" ماذا؟ ألم تمُت؟ "
" لا، يا سيدي. "
" والطلقة؟ "
" أطلقتها على السقف. تشاجرت مع زوجتي فأغلقت الباب وأطلقت على السقف حتى ألقنها درساً."
كاد ماريانو أن يضربه ولكنه عدل عن رأيه. أخذ المسدس من الطاولة وأعطاه الرجل قائلاً: " والآن أطلق النار، ستنتحر صدقاً هذه المرة." 
أخذ الرجل المسدس، أطلق رصاصةً على ماريانو، ورصاصةً أخرى على الخفير، وثالثة على زوجته، أما الرصاصة الأخيرة فأطلقها مرةً أخرى على السقف.

-٤-

كل الرجال، أنت وأنا والجميع تحت المراقبة الدائمة للحيوانات التي تترصد عن بعد أدنى تحركاتنا، تحاصرنا أحياناً، وتدّعي اللامبالاة في أحيانٍ أخرى. هل يعود السبب إلى اكتشافهم خطورتنا الشديدة مما جعلهم يستعدون لشنّ الحرب علينا؟ لا أدري، ولكنهم قطعاً - وعلى كل درجات السلم الحيواني - يشاهدون وينتظرون. البعض يتظاهر بالفرار، ويختبئ البعض الآخر. البعض يسمح لنا باصطياده حتى يسترق إلينا النظر من أقفاص حديقة الحيوان. بعض الحيوانات تقترب كما لو أنها مشتتة أو غير مهتمة ولكنها مثل أولئك المحققين الذين يتنكرون بهيئة المشردين ويقطعون الشارع بضجر. ذات مرة، جاءت أنثى السنجاب لتلعب معي، لاحظتُ على الفور بأنها تريد مهادنتي ولما رفضتُ مواصلة اللعب معها ذهبتْ بعيداً. صدقني، إنهم يدبرون أمراً ما. أملنا الوحيد - عاجلاً أو آجلاً - أن يؤول الأمر إلى كلبٍ يكشف لنا خطة الحيوانات السرية، فهو الحيوان الوحيد الذي بمقدوره - من أجل أن يسدي لنا هذه الخدمة - أن يخون الآخرين. ألم تلاحظ كيف يبدو الكلب أحياناً كما لو أنه يود إخبارنا بأمرٍ ما؟

* ترجمة عبدالله ناصر



تعليقات

  1. " أما الرصاصة الأخيرة فأطلقها مرةً أخرى على السقف"

    هل قتل نفسه هذه المرة؟ لأني حين قرأت هذا تبادر الى ذهني مصطلح قتل النفس بشكل غير مباشر، تعذيبها أو إنهاءه مع مجاملتها، حتى حين الموت.

    ردحذف
    الردود
    1. لا لم يقتل نفسه طالما أطلق الرصاصة على السقف.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حدائق السجن

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".

في مديح التنورة القصيرة..