البيت




-١-
كلما فتح أبي الباب، اندلقت أحشاء البيت.

-٢-
كان في بيتنا القديم زهرة توليب تحدّق فيها طوال الوقت جدّتي العمياء. لا أدري من زرع التوليب البنفسجي على الحائط. نسيت أن أقول إنها مجرد صورة مائلة إلى اليمين قليلاً، ربما نسيها المستأجر السابق. ظلّت صورة التوليب مائلةً إلى اليمين طوال سنوات، في مأمنٍ من يقظة أمي واجتهاد الخادمة والنظرات الطائشة لجدّتي. أظن لو قام أحدنا بتعديلها في ذلك الوقت لسارعنا في الحال إلى إعادتها مائلةً إلى اليمين قليلاً.

-٣-
في الخارج، يقف باب البيت مثل حارس، لا يتذكر من طفولته إلا القليل، كما لا نتذكر نحن أيضاً إلا ما يرويه لنا الآخرون من قصصٍ يقضمها النسيان والزمن. كلما تقدّم في السنّ نسيَ أكثر حتى خشيت أن ينكر طفولته كما ينكر الصغار طفولة آبائهم. صار يهذي ويعلو صريره حتى أصابه الخرف واحتجزنا في البيت. حاولنا فتحه ولم نستطع، فركلناه أكثر من مرة حتى انكسر وما عاد ينغلق أبداً. كلما عدت إلى البيت وجدته موارباً يدعو اللصوص إلى الدخول، وعندما أعاتبه يقول إنه يحنّ إلى اليوم الذي لا يدخل ولا يخرج منه أحد.

-٤-
في الداخل، كرسي هزاز تهشم منذ سنوات. كلما ألقيناه بعيداً ولو في أطراف المدينة عاد ولحقنا مثل كلب. نندم فنحمله إلى البيت. فقد ذراعه اليمنى أولاً، ثم انكسرت ساقه وأخذ يعرج حتى اختفى ذات يوم. كلما جلست وتذكرته يهتز الكرسي من تحتي ولو كنت في الطائرة. 

-٥- 
واقفاً قبالة الشباك، أرى الشجرة التي قُطعتْ منذ سنوات، أمضي نحوها فلا أجد غير ظلها، وحالما أعود أراها مجدداً بل وأرى أبي يسقيها.


-٦-
مات أبي وتفسّخ البيت مثل جثة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حدائق السجن

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".

في مديح التنورة القصيرة..