كوابيس أليفة..



  كان كابوسها الوحيد لا ينتهي حتى عندما تستيقظ بل ينهض لمرافقتها طيلة اليوم. لا وحوش ولا موتى ولا حروب ولا قيامة. يمكن القول إنه كابوس أليف لولا استمراره، وهذا ما يجعله بالتحديد مزعجاً. 

كانت تسمع صوت أقدام أحدهم تدنو منها بخطىً ثابتة حتى توقظها فتبتعد من تلقاء نفسها. لا أثر في الغرفة لولا السكون الغريب الذي يخلّفه بالعادة مغادرة شخصٍ للتو. كان كعب الحذاء يطرق سمعها كما لو أن أذنها من رخامٍ أو باركيه. حدسها يقول إن الحذاء أسود بل ومن ماركة سلفاتوري فيراغامو. لا يقصد اللصوص غالباً مثل هذه المتاجر الفخمة. هذا شخصٌ لا يخطط لسرقتها كما لا يخطط لقتلها، لو شاء لخنقها أو حزّ عنقها في أول ليلة. تتمنى أحياناً لو يقتلها فترتاح، لكن دون أن يخنقها أو يحز عنقها. لن يحدث شيءٌ من هذا وسيكتفي فقط بمطاردتها في النوم واليقظة. 

ودت لو ترى ذلك الشخص، لو تصحو مرةً واحدةً قبل مغادرته لكن المرء لا يصحو بالعادة من الكوابيس إلا متأخراً. تظاهرتْ بالنوم وكادت أن تباغته في إحدى الليالي لولا أنه استدار في اللحظة الأخيرة وعاد من حيث أتى. حاولت اللحاق به، لا لتمسكه بل لتعرف من هو فقط، كانت خطواته تبتعد بسرعةٍ فكأنه يركض هو الآخر. أدركت أنها لن تراه أبداً، ليس فقط لأن الأصوات لا ترى، ولكن لأن أذنها تتوهم الصوت كما تتوهم العين الأطياف. 

كلما ذهبت إلى العمل في متجر سالفاتوري فيراغامو أخذت تحدق إلى الأحذية. ما عاد يخيفها ذلك الصوت حتى ما عادت تلتفت عندما يقترب منها وتشعر بأنفاسٍ حارة تلفح مؤخرة عنقها فتهشها كما تهش الذباب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حدائق السجن

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".

في مديح التنورة القصيرة..