المشاركات

في متجر الملابس المستعملة - أندريس نيومان

صورة
للهواء رائحة الجلد المدبوغ، والكآبة المقصودة تجعل من الصعب رؤية الأشياء بطريقةٍ ملائمة. في الغالب، بدت جميع المعاطف في حالةٍ جيدة. ثبتتْ نظارتها، وأخذتْ تفكر في ذائقة زوجها التي لا يمكن التكهن بها، وتقع ما بين التقليدية وغريبة الأطوار. شعرت بحاجةٍ ماسةٍ إلى التدخين. سوف تزورها الدورة الشهرية هذا المساء أو في صباح الغد على أبعد تقدير. الخنجر اللحوح أسفل سرّتها، وامتعاضها من كل شيء، ليس إلا مؤشرات تسبق قدومها. أخذتْ معطفاً عريضاً بني اللون وتفحصته للحظة ثم أعادت تعليقه. انتزعتْ معطفاً أسود ذو ياقة مدببة وأعادته أيضاً، تناولتْ معطفاً طويلاً لونه رصاصي وله بطانة عند الكتفين. فكرتْ بخبث، يبدو ذكورياً جداً، أعادتهُ إلى الرف، حتى توقفتْ عند معطفٍ غامق وتأملته بإعجاب. يبدو ملائماً جداً لذائقة زوجها الكلاسيكية. بوسعها رؤيته بنقاءٍ هائل بهذا المعطف، كما لو أنها فعلاً قد شاهدته وهو يرتديه، كما لو أنه ينتمي إليه تماماً. في الحقيقة، ها هي تفكر الآن، يكاد المعطف أن يكون مماثلاً لذلك الذي أهدته زوجها في الكريسمس قبل الماضي. ولكن مستحيل، تحاول عبثاً أن تتأكد. تتحقق من البطانة وعرى الأزارير و...

طرق الذهاب إلى البيت - اليخاندرو زامبرا

صورة
... وفي الصباح تظاهرت بالمرض حتى أنام أكثر من المعتاد، خرج والداي بعد سيلٍ لانهائي من التعليمات، فذهبت لإعداد الإفطار ثم بحثت عن الشريط الذي يحوي أجمل أغنيات رافاييل. كانت والدتي قد قامت بتسجيلها من الراديو. وعندما حاولت تشغيله لسوء الحظ انزلق إصبعي لثوانٍ على زر التسجيل الذي أفسدته عندما كان الكورال يردد أغنية " لا أحد يعرف شيئاً ". كنت يائساً وبعدما فكرت قليلاً قررت أن الحل الوحيد هو أن أغني بدلاً من الكورال. بدأت في التمرن على تغيير صوتي حتى بدا لي مقنعاً ثم قمت بالتسجيل على الفراغ، واستمعت إلى النتيجة عدة مرات. يمكن القول بقليلٍ من التسامح أنها كانت جيدة على الرغم من غياب الموسيقى في تلك الثواني. ربما ينهرني والدي ولكن لن يصفعني. إنه لا يصفع أبداً. لم يكن الضرب من صفاته فهو يفضل تلك العبارات المنمقة والتي تبدو مدهشةً في البداية، ذلك لأنه يقولها بجدية ممثلٍ في الحلقة الأخيرة لمسلسلٍ إذاعي : " لقد خاب أملي بابني الوحيد، لن أغفر لك أبداً ما فعلته، هذا السلوك غير مقبولٍ على الإطلاق .. الخ". على الرغم من ذلك، كنت على الدوام أملك هاجساً بأنه في يومٍ ما س...

تأملات اندريس نيومان في كتابة القصص القصيرة *

صورة
- الصوت هو من يقرر الحدث لا العكس. - القصص الدائرية تماماً تطوق القارئ فلا تسمح له بالخروج كما لا تسمح له بالدخول أيضاً. - ليس للقصة القصيرة جوهر، فقط بعض العادات. - كل قصة قصيرة تنتهي في الوقت الصحيح يمكنها أن تبدأ مرةً أخرى بشكلٍ مختلف. - الانفعالات المنضبطة تفضي إلى السحر أما تلك المنفلتة فلا تصنع غير الألاعيب. - في السطور الأولى تكون حياة القصة على حافة الخطر وتُبعث من جديد في السطور الأخيرة. - تظهر الشخصيات في القصة بعفوية، تمر بجانبنا وتمضي في سبيلها. - كتابة قصة قصيرة أشبه بالقدرة على الاحتفاظ بالسرّ. - تُحكى القصص بصيغة الماضي ولكنها تحدث الآن دائماً. - المبالغة في تعقيد الأحداث المتناقضة تصيب القصة القصيرة بالأنيميا وقد تخنقها حتى الموت. - في القصة القصيرة، يمكن للدقيقة أن تكون لا نهائية كما يمكن للأبد أن يطوى في دقيقة. - السرد يشبه الغواية: إياك أن تشبع فضول القارئ بالكامل. - المراجعة تعني الاختصار. - إذا أخفقت في إثارة المشاعر، لا بد أنك أخفقت في كتابة القصة. - تعرف القصة القصيرة متى يجب أن تنتهي وتُبدي التزامها بذلك. عادةً ما تنتهي قبل زمنٍ طويل من خيلاء القاص. - لا ...

الرجل الذي اعتاد أن يقول له الناس: لا - جيورجيو مانقانيللي

صورة
ينتظر الشاب أن تضيء إشارة المشاة ليقطع الشارع في طريقه إلى منزل امرأةٍ ينوي التقدم لها، راجياً أن يُرفض. لطالما كان جيداً في دفع الناس إلى قول " لا " وفي العيش عموماً في محيط رفضٍ دائم. وعندما يُقبل عرضه في حالاتٍ قليلة، يبدو قادراً على إثارة فوضى مروعة. من حيث المبدأ، كان يتوقف عن لقاء امرأةٍ أجابت ب " نعم ". في الحقيقة، لم يكن حتى يحب تلك المرأة التي ينوي بطريقةٍ ما أن يعرض عليها الزواج، ولكنه يفترض بأنها تتوقع منه ذلك، وليس بمقدوره أن يعصي رغبة امرأةٍ - وإن أخفتها على نحوٍ صارم - لا ينكر إعجابه بها. هل كان ذلك الشاب، الذي من الممكن أن يعشق تلك المرأة، سينفر بشكلٍ أقل فيما لو قالت " نعم ". هو يفترض بطريقةٍ ذكوريةٍ وصريحة - وإن لم تسنح له الفرصة لتجربة تلك الطريقة الذكورية والصريحة - ولكنه في الحقيقة وبشكلٍ غير طائش على يقينٍ بأن النهاية ستكون على أية حال " لا "، وبأنه يجب على تلك المرأة أن تتمرن على حقها في الرفض، بالإضافة إلى رغبته الواضحة في أن يكون الجواب " لا " لترضي معاً - رغبة المرأة ورغبته الأكثر حميمة في أن يقال بأنه ل...

الملابس ـ أندريس نيومان

صورة
" كان أرستيدس معتاداً على الذهاب عارياً إلى العمل. وكنا نحسده جميعاً، ليس على جسده فلم يكن مثيراً للإعجاب، ولكن على تلك الثقة، وقبل أن نتمكن من الضحك كان يرمق ملابسنا موبخاً ثم يدير لنا ظهره ومؤخرته الشاحبة والخالية من الشعر. " هذا الأمر لا يطاق " زمجر رئيس الإدارة عندما شاهده للمرة الأولى يتجول عارياً في الممر. فما كان من أرستيدس إلا أن أيّده بقوله: " فعلاً، فالجميع هنا يتأنقون بشكلٍ مروّع". ونظراً لكوننا في الربيع افترضنا بأن الوضع لن يدوم حتى مطلع الخريف وبأن الطقس في النهاية سيعيد الأمور إلى نصابها. وفي نوفمبر، جرت الأنهار وعادت الأمطار إلى المجارير، والسحالي إلى المستنقعات ولكن شيئاً لم يتغير في أرستيدس بخلاف ارتعاشة أكتافه الخفيفة كلما انتهينا من العمل وخرجنا إلى الشارع. " لم أسمع بمثل هذا "، صاح رئيس الإدارة متدثراً بمعطفه المطري فأجابه أرستيدس بشكلٍ مرتجل: " فعلاً، فلم تثلج بعد". وبمرور الوقت، حلّ التقديس بطريقةٍ بطولية مكان التمتمة. كان الكل راغباً في التسكع مثل أرستيدس، أن نمشي مثلما يمشي وأن نكون مثله بالضبط. و...

ترجمة مقتطفات من رواية اندريس نيومان.

صورة
" .. أولئك الذين يعيشون بلا أطفال يعتقدون بأنهم يمتصونك حتى الجفاف - وهذا ما يفعله الأطفال حقاً، أقسم على ذلك - ولكنهم لا يدركون بأن تلك الطاقة التي يكرعها الأطفال مثلما يكرعون الماء من الحافظة نسرقها منهم بالمقدار ذاته تماماً. الأمر شبيه جداً بالدائرة الكهربائية. أشعر أحياناً بأن الأمومة ثقب أسود، مهما وضعت بداخله لا يكتفي أبداً، ولن تعرف أين ذهب كل ذلك. وفي أحيانٍ أخرى أشعر بأني مصاصة دماء تقتات على طفلها بالتهام حماسته لكي تتابع إيمانها بالحياة. ولكن الطفل أيضاً أشبه بصندوق إيداع، وإن بدا ذلك أنانياً. تستثمر فيه وقتك وتضحياتك وتوقعاتك آملاً أن يقرّ لك بالعرفان مستقبلاً. كنت قد تجادلت البارحة مع أختي حين قلت بالحرف: "الطفل عبارة عن استثمار." قالت بأنها فكرة مريعة، لا يمكن أن تُفهم الأمومة من خلال مصطلحاتٍ اقتصادية، ومهما يكن من أمر لا تقولي شيئاً من ذلك أمام ليتو. ولكني لا أرى الأمر بهذا السوء، فالأطفال أيضاً يضاربون بالحب، ويقضون حياتهم في إجراء حساباتٍ دنيوية: عندما أتصرف جيداً سأحصل على ذلك الشيء، وإذا ما تصرفت على نحوٍ سيء سينتزعونه مني، وإذا كنت لطيفا...

هايكو - اليكسس روتيلا

صورة
تمحو آثامي أنفاس الكاهن المعطرة بالثوم . في المقبرة لماذا  نتهامس؟ . أقراص للنوم بحجم القمر . من مريضٍ   إلى آخر يدمدم الطبيب شكراً للتأمينات . اسبرسو الصباح كم سأفتقده بعد الموت . في البطاطا المهروسة تركتْ النادلة بصمتها . الاحتمالات إسمنت رطب . النبيذ يحسّن لغتي الفرنسية . موزارت روشيتة الدكتور مرتان في اليوم . معالجتي النفسية تحدثني عن مشاكلها . " أخرجوني من هنا " يقول والدي في غيبوبته . قبل أن يقفز خلع المنتحر ساعته الذهبية . أجاب على رسالتي صمته الطويل . كيف أوضاع العمل أسأل الحانوتي . " فلتأكلي كل  ما في الطبق " قلت لأمي العجوز  . كان صندوق الألعاب هذا فيما مضى  كل حياتي - في المرآة ينعكس حزن أمي على وجهي - امرأة  بعربة التسوق تدفع الريح - يصلون  حتى لا أذهب للجحيم أصدقائي الكاثوليكيين