مارغريت..



زرت العام الماضي لأول مرة الكورتولد غاليري قبل أن يوصد أبوابه لثلاث سنوات بداعي التحسينات. تهندمت للقاء عارية مودلياني -رغم أن العري يبعث العري كما يبعث الأسى الأسى- وقد كانت عاريته النائمة على جنبها الأيسر قد بيعت للتو بأكثر من ١٥٠ مليون دولار. ضحكت حينما تذكرت قصةً لكورتاثار يغرم فيها أحد حراس المتحف بتمثال امرأة، ثم يكبر بطنها بعد أشهر. قلت لنجرب، ولما دخلت الكورتولد وسألت عنها، قالوا سافرتْ إلى متحف بلفاست. فتشتُ الطوابق الثلاثة بغيرة عشيق مخدوع فلم أجدها، وتذكرت كم طفت المتاحف لسنوات بحثًا عن عاريات غويا. قلت هذا حظي مع العاريات، ولو قصدت الآن شاطئا للعراة لاستتر الجميع ثم سافروا هم أيضًا إلى بلفاست.

وفي هذه الأثناء انتبهت إلى عارية غوغان، خلاسية من جزيرة تاهيتي. اقتربت منها ورددت ما كان يردده عبدالوهاب كلما مر تحت شباك عزيزة ابنة الجيران: "أجولييت ما هذا السكوت؟!". لزمت عارية غوغان الصمت كما لزمته عزيزة، ولو ردّت لما ألّف لها عبدالوهاب مقطوعته الشهيرة المسماة باسمها. من نافلة القول إن المقطوعة الراقصة بديعة، وهي من المهارات الأساسية للرقص الشرقي. 

رجوتُ السيدة أن تلتقط لنا بعض الصور. رحبتْ وقالت بلطف: "يسعدني ذلك، وإن لم تعجبك الصورة، يمكنني أن أصورك مرةً واثنتين وثلاث". شكرتها ومضيت إلى بقية اللوحات وكم سررت حين صرت قادرًا على تخمين لوحات بيسارو وماتيس وسيسلي من النظرة الأولى. وقبل أن أخرج، تذكرت إحدى لوحات سيزان التي أردت الوقوف عليها من جديد. عدت لأجد السيدة جالسة منذ أكثر من ساعتين بينما يصوّر زوجها من كل الزوايا لوحة مانيه هذه طوال الوقت.



غني عن القول إن المتاحف ليست أماكن مفضلة لتبادل الحديث. تبدو مثل المعابد بل أكثر سكونًا وحرمة. لم يكن في القاعة غيرنا، جلست بجانبها وخطر في ذهني لو أنني أعمل حارسًا في هذا المتحف لراقبتهما جيدًا، لا بد أنهما يخططان لسرقة لوحة مانيه قبل إغلاق المتحف. قلت ما زلتِ هنا؟ قالت نعم، أفضّل في كل زيارة الوقوف قبالة لوحتين فقط أو ثلاث كحد أقصى عوضًا عن التجوال السريع. قلت ستفتقدانِ هذه اللوحة، أليس كذلك؟ رفعت حاجبيها ثم تنهدت: فعلًا، هذه لوحة زوجي المفضلة وقد علقنا نسخةً منها في غرفة الطعام. تحدقون بها هنا وهناك. ضحكتْ وقالت إنهم جاءوا لتوديعها قبل أن يغلق المتحف. قلت أحب لمانيه إعدام الإمبراطور ماكسيمليان. قالت انظر إلى المرأة في اللوحة، هذه امرأة سئمت من كونها هنا، وأضافت انظر لانعكاسها فرأيت رجلًا يبدو للوهلة الأولى أنه يريد شرابًا وبعد قليل بدا أنها يراودها عن نفسها. قاطعت شرودي قائلةً إن الهوس بلغ بزوجها أن يبحث عن كل المشروبات التي في لوحة بار فولي بيرجير، وتساءلتْ لماذا أحب عارية غوغان؟ حين أطلت الوقوف أمامها. قلتُ هذا دأبي مع اللوحات، أحب أن نقف هكذا وجهاً لوجه، بجدية زوجين يصارحان بعضهما البعض قبل الطلاق أو بحدّة رجلين يتبارزان حتى يقتل أحدهما الآخر، واختتمت حديثي المسرحي قائلًا الجمال يوغا العين. سألتها عن اسمها فأجابت مارغريت، قلت ما أحلاه، عاشت الأسامي يا مارغريت. صافحتها والتقطت صورتها ثم تمنى كل منا يومًا لطيفًا للآخر. خرجت وانتبهت بعد دقائق أن أحدهم يتعقبني. التفتّ فوجدت عارية غوغان، وصِحتُ يا فتنتي ما تفعلين هنا؟ البرد يؤذيكِ، عودي لن أعود أنا أو كما قال أبو ريشة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حدائق السجن

"ألا يا اهل الرياض اول غرامي".

في مديح التنورة القصيرة..