الأرضة التي ابتلعت بيتنا القديم

أخيرًا أمسكت بالأرضة التي ابتلعت بيتنا القديم. ظللت أطاردها سنوات وسنوات بدأب فتى أقسم لأمه أن يطارد قاتل أبيه حتى آخر يومٍ في حياته. كلما خرجت للبحث عنها حاول إخوتي عبثًا إقناعي أن الجرافات هي من هدمت البيت. ما كانت الأمطار ولا العواصف لتمنعني من مطاردتها كل ليلة. رأيت الأرضة في طفولتي أول مرة حين فتحت خزانة الملابس الخشبية. كانت تجلس في زاوية الرف السفلي وقد بلغت من الجوع والتعب ما لا يجعلها تخاف أحدا حتى الموت نفسه. لقد صممت على أن تقضم ألياف الخشب ولو كانت تلك قضمتها الأخيرة. ما كنت لأقتلها آنذاك. تركتها ترعى في الخزانة ولو تركت ضبعًا هناك لكان أرحم. قدّرت لو أنها عاشت ألف سنة لما استطاعت أن تأتي على ذلك الرف! لم أنسها أبدا. كلما ضجت ذاكرتي بالصور القديمة وراحت تحذفها -كما نفعل في هواتفنا الذكية- استثنتْ صورة الأرضة وهي تغرز نابها الشرِه في ذلك الرف. احتفظت بصورتهالسببٍ ما طوال تلك السنين. وبينما أمسح الشوارع ليلة أمس بحثًا عنها إذ التمع من بعيد نابها ذاك مثل فص ألماس في الرمل. ركضت نحوها فلم تفزع مني حتى حملتها ورحت أضرب ظهرها لتبزق بيتنا القديم. حاولتْ الهرب وسرعان ما أدركت...