خرائط الكنز..
قبل البورسلان والرخام والجرانيت كانت أفنية البيوت في الغالب من البلاط البلدي المرقط. بلاط تقليدي من الإسمنت والحجر لو رأيته اليوم لعدت طفلا أجري في فناء بيتنا القديم حتى أقف على بلاطةٍ بعينها. كانت تلك البلاطة المربعة غير ثابتة. كلما وطأتها قدمي الصغيرة تأرجحت. لعل العامل أثناء رصفها قد نال منه التعب والسأم، أو ربما لم يكن لديه لحظتها ما يكفي من الملاط، وما كان ليخلط ترويبة جديدة من أجل بلاطة واحدة. أو ربما هي ببساطة أفاعيل الزمن، وماذا لا يستطيع الزمن فعله؟ لا تخلو الأرصفة ولا الأفنية عادةً من تلك الأحجار غير المتماسكة التي تكاد تخرج عن السطح مثلما تفعل الخيوط المنسولة في الملابس. أحجار مازحة لا تدفع أحدًا للسقوط، لكن يسعدها أن تكسر إيقاع المشي، وتشكك المارة لوهلة في توازنهم فيشك المرء في قدمه، وتشك القدم في الحذاء، ويشك الحذاء في الطريق. كم سرّني الوقوف على تلك البلاطة القديمة، وتأمل بياضها المشوب بالسواد ذلك أني أخفيت تحتها تحويشة طفولتي. كان الآباء في ذلك الزمن -وحتى الآن- يهدون أبناءهم حصّالات ليتعلموا الادخار ويكفّوا عن إزعاجهم وسؤالهم كل يوم عن الألعاب ومتى سيأتي العيد. وك...